المشهد الذي لم يلفت انتباه المراقبين من الداخل والخارج، هو أن الأجهزة الأمنية السورية خاضت معركة حامية الوطيس لإنقاذ تمثال الرئيس السوري السابق حافظ الأسد بعد أن تعرض في مدينة دير الزور لهجمات المتظاهرين، الذين حاولوا تحطيمه وإزالته، وهم يصرخون: «ليسقط الصَّنم». ويبدو أن هذا جرى مثله في مدن سورية أخرى، مثل مدينة جسر الشغور ومدينة تلكلخ ومعرة النعمان، التي استخدم الطيران المروحي في مهاجمة متظاهريها يوم الجمعة الماضي.

Ad

إن ظاهرة تحطيم تماثيل الآلهة المزورة بدأها الرسول العظيم محمد صلوات الله عليه، بعد فتح مكة المكرمة، حيث كان تحطيم الأصنام وإزالة الأزلام لحظة تاريخية، انتهت فيها مرحلة قديمة وسادت مرحلة جديدة، ومن يومها فإن الجزيرة العربية كلها, التي هي أول ديار الإسلام, لم يشاهد فيها أي صنم، لا من حجر ولا من تمرٍ ولا من خشب، على مدى أكثر من 1400 عام.

كان تحطيم أصنام القياصرة، وإزالة تماثيلهم في روسيا عام 1917, وبعد ذلك, دليل رحيل مرحلة أُشبعت شتماً وتنديداً من الثورة البلشفية التي كان منظرها فلاديمير إلتش لينين، وقائدها الفعلي ستالين. ثم وفي بدايات تسعينيات القرن الماضي بعد سقوط الشيوعية وانتهاء الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفياتي «العظيم»، جرى شنق تماثيل هؤلاء في الميادين والساحات العامة، وتحولت جماجم هذه التماثيل إلى كرات يلهو بها الأطفال، الذين كان يفرض عليهم الهتاف بأسماء أصحابها كل صباح قبل دخولهم الصفوف المدرسية.

قبل عام 2003 كانت تماثيل صدام حسين التي كانت تشبه الوحوش الأسطورية، تملأ العراق من زاخو؛ آخر نقطة في الشمال، حتى البصرة؛ آخر مدينة عراقية في الجنوب، وكان صاحب هذه التماثيل يبدو مرة يمتطي صهوة جواد مطهم, بينما هو لم يعل ظهر جواد في حياته كلها, ومرة يرفع يده عالياً بطريقة خصصت له وحده وقريبة الشبه من التحية الهتلرية المعروفة، ومرة بلباس عسكري، وأخرى بلباس بدوي، وثالثة بلباس كردي. ولعل ما هو غير معروف أن هذه «الأصنام» قد خُصص لها وزيرٌ يحرص يومياً على التأكد من أن أحدها لم يتعرض لتبرُّز حمامة جريئة جداً فوق رأسه.

وعلى غرار ما جرى في الاتحاد السوفياتي، فإن أول إشارة لسقوط الطاغية وانتقال العراق من عهد قديم إلى عهد جديد هو إسقاط تمثال صدام حسين، الذي كان مقاماً في إحدى أهم ساحات بغداد، لتبدأ بعد ذلك مرحلة تدمير تماثيل حاكم كان لا يستطيع ابن أنثى الإشارة إلى أحد تماثيله، التي يُقال إنها بلغت 20 ألفاً، بطريقة غير «مقبولة»!

كنت في طهران صحافياً أطارد الأحداث الكبرى أينما وقعت, في ذروة انتصار الثورة الخمينية في فبراير عام 1979. وقد رأيت مما رأيت ما جرى في ذلك اليوم الذي خُصص لتدمير أصنام الشاه رضا بهلوي وسحلها في الشوارع، وكان كل هذا يجري وهتافات التكبير تبلغ عنان السماء: «الله أكبر... الله أكبر». والآن وبينما وصلت ظاهرة إطاحة التماثيل إلى سورية، فإنه لمن الجدير بالذكر أن أحد كبار المسؤولين الأردنيين كان أعد تمثالاً «برونزياً» للملك حسين، حاول مفاجأته بإقامته في الدوار الرابع بالقرب من رئاسة الوزراء في ذكرى ميلاده، وكان رحمه الله قد استشاط غضباً عندما أُعلِم بذلك، وأمر بإزالة التمثال على الفور، وهو يردد: «كيف لمن جدُّه محطم الأصنام في مكة أن يقيم صنماً لنفسه». وكاد يرسل ذلك المسؤول «المتملق» إلى السجن لولا تدخل بعض المحسنين!