أوراق من حياة دون جوان السينما المصرية (2): كمال الشناوي... شخصيَّة عباس أبو الدهب كانت بداية تطور أدائه

نشر في 30-09-2011 | 00:01
آخر تحديث 30-09-2011 | 00:01
«قدمت أفلاماً كثيرة من لون واحد، وبدأت أشعر أنني لا أقدم جديداً والسيناريوهات المعروضة علي سبق أن أديت الأدوار التي تتضمنها، فبدأت اعترض وأفكّر في أدوار أكثر عمقاً وأرضى عنها شخصياً، وجاءت نقطة التحوّل مع فيلم «المرأة المجهولة» أمام شادية وعماد حمدي وشكري سرحان». هكذا اعترف الفنان كمال الشناوي، الذي لم يكن مجرد وسيم مرّ في شريط السينما مستنداً إلى النموذج الغربي الذي كرسته هوليوود وما زالت، لكنه أحد نجوم عصرها الذهبي الذين كانت لهم بصمتهم المميزة في وجدان الجمهور، منذ إطلالته الأولى في منتصف الأربعينيات وحتى توقفه عن الإبداع اضطرارياً قبل سنوات قليلة من رحيله.

في السطور التالية نتابع الإبحار في مشوار فتى الشاشة كمال الشناوي.

-1-

كانت شخصية عباس أبو الدهب في «المرأة المجهولة» كلمة السرّ في موهبة الشناوي وإمكاناته كممثل، وكان يفترض أن يكون الفيلم من إخراج حسن الإمام وبطولة هند رستم، إلا أن المنتج حسن رمزي اختلف مع الإمام فاعتذر الأخير عن العمل ما أدى إلى انسحاب هند وأسند الإخراج إلى محمود ذو الفقار.

خلال استماعه إلى  الرواية أعجب الشناوي بدور عباس أبو الدهب، وليس دور البطل الذي رشح له، فتمسك به على رغم محاولات إقناعه بالعدول عنه. وعندما طرح اسم شادية كبطلة للفيلم ثار الجميع بحجة أنها لا تصلح للتمثيل أمام الشناوي وهو يجسد شخصية مكروهة.

عرض الفيلم ونجح بشكل لم يتوقعه أحد، لكن دفع الشناوي ثمن نجاحه، إذ كرهته الفتيات بسبب تجسيده شخصية شريرة، إلا أن ذلك أسعده لأنه دليل على أنه يسير في الاتجاه الصحيح في موهبته.

-2-

روى الشناوي وهو يضحك كيفية صناعة الأفلام، قال: «كنت مع حلمي رفلة في طريقنا إلى الأستوديو، فطلب مني أن نمرّ على مقهى في ميدان الأوبرا وهناك التقيت أبو السعود الإبياري وكان حوله مخرجون ينتظر كل واحد منهم دوره ليتسلم الأوراق التي تكفي لتصوير اليوم. لم يكن يتوافر سيناريو بالمعنى المتعارف عليه، وكانت الأفلام، في معظمها، عبارة عن حواديت يصوغها الإبياري بقلمه المبدع».

أضاف الشناوي: «مجدداً  قدم الفنان السيد بدير لي ولشاديا سيناريو، ولدى قراءته وجدت أنه مجرد «قص ولزق» من أعمال وشخصيات قدمتها في أفلام سابقة وذكّرت شادية بذلك فاعتذرنا عن العمل، وعندما طلب منا بدير العدول عن قرارنا شرحت له وجهة نظري، فأخبرنا أن اعتذارنا سيكبّد الإنتاج خسائر ضخمة إذ بنيت الديكورات، وعندما أصريت على الرفض روى لنا رواية أخرى مقتبسة من رواية أجنبية كتبها إنقاذا للموقف، وهي التي رأها المشاهدون بعد ذلك في عنوان «سكّر هانم».

ذات مرة عدت إلى منزلي فوجدت حلمي رفلة نائماً على كنبة في الصالون وسألت زوجتي وابني: إيه الحكاية؟ فشرحت لي زوجتي أنه ينتظرني منذ فترة ونام من شدة التعب، أيقظته وإذا به يطلب مني أن أحضر بِدلاً وقمصاناً وأنزل معه فوراً للتصوير. حاولت أن أفهم، لكنه لم يترك لي فرصة. فأعددت حقيبتي ونزلت معه. وفي الطريق سألته عن دوري فردّ أنه دور مهندس في منطقة صحراوية ولا يحتاج الأمر إلى ارتداء بدلة، بل مجرد قميص وبنطلون فصورت الفيلم، وهكذا رأى «كنوز» النور».

-3-

اعترف الشناوي أنه، عندما شرع في إنتاج «وداع في الفجر»، كان العدوان الثلاثي على بور سعيد عام 1956 بدأ وأقفلت دور العرض، ودفع كل ما يملك لإنتاج الفيلم الذي تصور أنه سيحقق ايرادات تغطي تكاليفه على الأقلّ، وفي هذا الفيلم التقى الرئيس السابق حسني مبارك (ضابط في سلاح الطيران المصري) أثناء تصوير أحد المشاهد في مطار بلبيس في الشرقية، وكان المشهد لقائد طائرة ورُشّح مبارك لتمثيله، فكان ذلك أحد أسباب منع عرضه على القنوات التلفزيونية المصرية سنوات طويلة.

لم يحقق الفيلم نجاحاً وأفلست شركة الشناوي، فاعتقد أن الأمر انتهى عند هذا الحدّ، إلا أنه فوجئ بمخرجين يبحثون عن ممثلين منافسين له، ولم يكن الشناوي يعلم أن دخول الممثل ميدان الإنتاج يضرّ به للغاية، وكان من بين الوجوه التي ظهرت: شكري سرحان وعمر الشريف، ثم رشدي أباظة الذي فشل في البداية ومع تكرار ظهوره نجح في فيلم «امرأة على الطريق».

- 4-

في إحدى الفترات من مشواره الفني، قرر الشناوي أن يغيّر جلده عبر أداء أدوار وشخصيات مختلفة، فعاش مرحلة جديدة تمثلت في أفلام: «اللص والكلاب»، «الرجل الذى فقد ظله»، «دمي ودموعي وابتسامتي»، «بديعة مصابني»، «الكرنك»، وقد أثار الأخير ضجة عند عرضه عام 1975، ومثل تحدياً كبيراً في مشوار النجم الراحل الفني من خلال أدائه شخصية خالد صفوان، رئيس المخابرات العامة.

الطريف أن المخرج نيازي مصطفى قابله في الأستوديو وبادره إلى القول: «لن يقبلك الجمهور في هذا الدور»، لكن الشناوي حقق نجاحاً إلى درجة أن الشاعر أحمد فؤاد نجم، عندما قصد الأستوديو أثناء تصوير أحد المشاهد، هنأ الشناوي وأكد له، بحكم تجاربه مع المخابرات في المعتقلات، أنه أجاد أداء الدور بدقّة، مع ذلك كان للشناوي رأي آخر: «كان الجميع يهنئونني بعد أداء كل مشهد إلا أنني لم أكن راضياً وشعرت أن شيئاً مفقوداً لا أعلمه وأنني بعيد عن الشخصية ولم ألمّ بتفاصيلها».

أضاف الشناوي: «شاركت في هذا الفيلم على رغم إيماني بعبد الناصر وبثورة يوليو، لكني كنت ألمس بنفسي ممارسات خاطئة وتجاوزات وانتهاكات مارسها بعض الذين قاموا بالثورة أو انتسبوا إليها، بحجة حماية الوطن، فقد حاولوا تجنيدي جاسوساً على زملائي الفنانين عن طريق الموسيقار مدحت عاصم، فرفضت. كذلك كنت صديقاً لإحدى السيدات وكانت زوجة أحد السياسيين قبل الثورة، وعلمت أنها أصبحت عشيقة أحد كبار رجال مجلس قيادة الثورة، وكيف أن أحدهم اعتقل الكاتب والمخرج محمد كامل حسن المحامي ليستولي على زوجته الشابة وكانت ممثلة جديدة، وكيف أنهم حاولوا دفعي إلى استدراج المطربة اللبنانية سميرة توفيق إلى القاهرة للقبض عليها لأنها كانت تغني للملك حسين في ذلك الوقت ورفضت».

تابع الشناوي: «للحقيقة، والتاريخ لم أكن معادياً لنظام عبد الناصر أو ثورة يوليو، وأنا أحد الذين بكوا حين أعلن عبد الناصر تنحّيه عن الحكم في يونيو 1967 ونزلت وسط الجماهير الباكية الرافضة، كذلك سبق أن شاركت في «قطار الرحمة» وفي المقاومة الشعبية عام 1956».

-5-

تكمن أهمية  رواية «اللص والكلاب» في أنها أولى الروايات التي كتبها نجيب محفوظ عام 1961 بعد «أولاد حارتنا»، وحاول فيها أن يجيب عن عشرات الأسئلة التي كان الواقع يطرحها، واعتمدت على حادثة حقيقية نشرتها الصحف عام 1960 باسم قضية محمود أمين سليمان الذي لقب بالسفاح.

جسد الشناوي شخصية رؤوف علوان، الصحافي المثقف المناضل القديم والانتهازي، فشكّل الدور وجهاً جديداً ومختلفاً لموهبته المدهشة وحقق فيه نجاحاً أكبر من نجاحه في شخصية عباس أبو الدهب.

قال الشناوي: «رؤوف علوان هو بداية الأدوار التي كنت أبحث عنها وتستهويني، فيه معاناة وفكر وانفعالات داخلية، فعلى رغم مساحته الصغيرة قبلته واستفدت من خبرتي في عالم الصحافة في أداء الشخصية، إذ ربطتني صداقة بعشرات الصحافيين وكنت أتردد على دار «أخبار اليوم»، فأنا لديَّ هواية الكتابة الصحافية منذ كنت طالباً وأصدرت مجلة «الجرس» وكنت أحرر عموداً أسبوعياً في مجلة «دنيا الفن» تحت اسم «ع الماشي» و{خمسة دردشة».

بعد «اللص والكلاب» بثلاث سنوات، فوجئ الجمهور باسم كمال الشناوي على الشاشة مخرجاً لفيلم «تنابلة السلطان» الذي لم يحظ بأي نجاح على رغم احتفاء الصحافة الفنية به. أوضح الشناوي: «كان يفترض أن يكون عملاً كوميدياً، وأسند الإخراج إلى ابراهيم عمارة، لكني لم أرغب في تمثيل فيلم من هذا النوع فعُدّل السيناريو وأصبح أكثر جدية، وفجأة مرض ابراهيم عمارة فاضطررت إلى إخراج الفيلم».

أضاف الشناوي: «أذكر أن جمهور حفلة الساعة العاشرة في سينما قصر النيل كان في معظمه من الأطفال الذين جاؤوا ليضحكوا، إلا أن الفيلم كان عكس ذلك وتضمن مشاهد تعذيب وثورة وأجواء تاريخية».

-6-

شارك الشناوي في «المستحيل» (عن رواية لمصطفى محمود)، أول أفلام المخرج حسين كمال الروائية الطويلة، وهو دراما سيكولوجية تعالج الملل والروتين في حياة موظف يعاني من ضعف شخصيته.

قال الشناوي: «لم أكن أخشى التعامل مع مخرجين جدد، فإلى جانب حسين كمال عملت مع مخرجين يقفون وراء الكاميرا للمرة الأولى مثل كمال عطية في «حبايبي كتير» (1950)، يوسف معلوف في «الهوا سوا» (1951)، حسام الدين مصطفى في «كفاية يا عين» (1950)، طلبة رضوان في «غراميات امرأة» (1960)، محمد بسيوني في «الرجل الآخر» (1973)، محمد البشير في «موت سميرة» (1985)، محمد الشامي في «شقاوة في السبعين» (1988)، أحمد فؤاد درويش في «حلاوة الروح» (1990)، عادل عوض في «العقرب» (1990).

-7-

يؤكد الشناوي أن ثمة أفلاماً شارك فيها وسقطت من ذاكرته، إلا أن فيلم «الرجل الذي فقد ظله» محفور في وجدانه بتفاصيله كافة، وهو للأديب فتحي غانم مع المخرج كمال الشيخ، ولم ينس كمال رفض الشيخ إخراج الفيلم حين أصرت جهة الإنتاج على ترشيح ممثل آخر بدلا منه. جسّد شخصية يوسف عبد الحميد السويفي، فجاءت مكمّلة لمسيرة رؤوف علوان، ويدور الفيلمان في عالم الصحافة الذي عاد إليه الشناوي في مسلسل «زينب والعرش» عن رواية لفتحي غانم.

كانت شاشة التلفزيون وسيطة جديدة للشناوي أطلّ منها على عشاق فنه، وكانت أول إطلالة له، في بدايات التلفزيون، في برنامج  «صور وحكايات» من إعداده وتقديمه، وهو موجه للأطفال. كذلك قدّم برنامج «فن الحياة» في الإذاعة، وشارك في برنامج «حول الأسرّة البيضاء» تقديم القديرة سامية صادق.

بلغت أعمال الشناوي التلفزيونية 22 مسلسلاً، بدأت بـ «عيون الحب» (1977) وانتهت بـ «لدواعي أمنية» وهو المسلسل الذي عمل فيه 14 ساعة يومياً، مرّة سمع أحد العاملين يقول: «هو لسه قادر يشتغل 14 ساعة في اليوم؟» وفي اليوم نفسه، وقع الشناوي من فوق السلم، أثناء نزوله، فأصيب بكسر في الحوض.

-8-

بلغ الشناوي ذروة النجاح الفني والجماهيري في فيلم «نساء الليل» (1973) إخراج حلمي رفلة وإنتاج  الشناوي. ونالت الأفلام التي أنتجها الشناوي الجوائز، فقد حاز المؤلف فايق إسماعيل جائزة التأليف عن «أيام بلا حبّ»، زيزي البدراوي جائزة التمثيل عن «عريس لأختي»، عبد المنعم إبراهيم الجائزة الثانية في التمثيل عن دوره في «طريق الدموع»، ونال «نساء الليل» سبع من جوائز الدولة للسينما، منها: جائزة أحسن ممثل للشناوي، أحسن إنتاج وأحسن موسيقى تصويرية لعمر خورشيد في أول عمل له في هذا المجال، كذلك نال «الوديعة» مع هند رستم جائزة في «مهرجان سورنتو العالمي»، وقُلّد الشناوي وسام الجمهورية من الرئيس جمال عبد الناصر في عيد العلم (1964) ووسام الجمهورية من الرئيس السادات في عيد الفن (1978).

-9 -

بعد «الكرنك» قدم الشناوي، على مدى 20 عاماً، 43 فيلماً تنوعت فيها أدواره وشخصياته واختلف مخرجوها، لكن معظمهم من الجيل الجديد مثل عاطف الطيب في «ضربة معلم»، خيري بشارة في «العوامة 70»، علي عبد الخالق في «الوحل» و{الحناكيش»، إبراهيم عفيفي في «عزبة الصفيح» و{العجوز والبلطجي» و{شوادر»، محمد راضي في «الهروب من الخانكة» و{موعد مع الرئيس»، سعيد مرزوق في «الدكتورة منال ترقص» و{المذنبون» و{أي أي»، نادر جلال في «مهمة في تل أبيب» و{131 أشغال»، إيناس الدغيدي في «لحم رخيص»، أشرف فهمي في «ضربة جزاء»، شريف عرفة في «الإرهاب والكباب» الذي جسد فيه شخصية وزير الداخلية ببراعة.

بلغت أفلام الشناوي حوالى 272 فيلماً، من بينها أربعة من إنتاج خارجي وهي: «البدوية العاشقة» إنتاج لبناني (1963)، «على ضفاف النيل» إنتاج مشترك مع اليابان (1962)، «الرجل المناسب» إنتاج مشترك مع سورية (1969)، «لصوص على موعد» إنتاج مشترك مع تركيا (1970).

وللأوراق بقية

back to top