كما كانت دول مجلس التعاون الخليجي قد صدَّت وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، رفض وزراء خارجيتها تلبية طلبه الاجتماع بهم استناداً إلى ما كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد حسمه، عندما قال ردّاً على طلب موسكو: إنه لم تعد هناك جدوى من مثل هذا الحوار بعدما لجأت روسيا إلى استخدام "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لإحباط مشروع القرار الذي تقدم به العرب في ما يتعلق بالأزمة السورية. وكذلك فإن المفترض ألا يستقبل وزراء الخارجية العرب اليوم لافروف الذي من المقرر أن يصل اليوم إلى القاهرة، وأن يرفضوا أي لقاء بينهم وبينه، مادامت حكومته قد استبقت هذه الرحلة بالتأكيد على أنها لن تغير موقفها إزاء سورية، ومادام أن هذا شجع بشار الأسد ليقول إنه ماضٍ بـ"إصلاحاته"، كما أنه ماضٍ بحربه على "الإرهاب"، وبالطبع فإن المقصود بالإرهاب هو الأطفال الذين مزَّقت شظايا قذائف الدبابات والصواريخ أجسادهم في باباعمرو والرستن ودرعا وإدلب ومعرة النعمان. إذا كانت روسيا لن تغير موقفها تجاه سورية، أي تجاه البطش الأهوج الذي يمارسه بشار الأسد ضد شعبه، فلماذا إذاً يستقبل وزراء الخارجية العرب وزير الخارجية الروسي ولماذا يجتمعون به؟... هل المطلوب الاستمرار في الدوران في الحلقة المفرغة ذاتها وإعطاء النظام السوري مزيداً من الوقت لحسم معركته العسكرية ليتفرغ بعد ذلك للمعركة السياسية ويمدد بقاءه على صدر الشعب السوري ثلاثين سنة أخرى، كما كان فعل "الوالد المرحوم" بعد مذبحة حماة الشهيرة عام 1982؟

Ad

كان الاعتقاد عندما ذهب وزير الخارجية الأردني ناصر جودة إلى موسكو حاملاً معه فكرة "الحل السياسي" بديلاً عن الحلول الأمنية والعسكرية أن روسيا باتت مستعدة بعد فوز فلاديمير بوتين برئاستها للمرة الثالثة لتغيير موقفها أو على الأقل مراجعته، والمعروف أن عرب مواقف "المساحات الرمادية" قد روجوا أن سيرجي لافروف سيحمل معه اليوم السبت إلى زملائه الذين سيستقبلونه في القاهرة جديداً لكن من المفترض أن كل هذه الآمال المبنية على الرغبات والآمال والأوهام قد تبخرت بمجرد صدور بيان الخارجية الروسية الآنف الذكر الذي جاء فيه حرفيّاً: إنه على الغرب ألا يتوقع من روسيا تغيير موقفها تجاه سورية.

إذن لا ضرورة لهذا اللقاء، الذي من المؤكد أن هدف موسكو منه هو الاستفادة من عامل الوقت وإعطاء بشار الأسد مهلة جديدة للانتصار على شعبه وحسم المعركة العسكرية التي زج فيها بكل إمكاناته في الفترة الأخيرة، اللهم إلا إذا كان لافروف خلافاً للبيان الروسي المشار إليه آنفاً يحمل معه إقراراً بنظام جديد في سورية، وأنه قادم للتفاهم مع زملائه على المرحلة الانتقالية بعد رحيل بشار الأسد، وعلى ماذا يمكن أن يعطي العرب لبلاده من الكعكعة السورية المستقبلية، إضافة إلى ما يمكن الاتفاق عليه من صفقات سياسية واقتصادية مع الدول العربية المعنية.