الناس بدؤوا يتنفسون الحرية، وصار يسمح لهم بالحياة في دولهم، لأول مرة في حياة كل من بلغوا 40 سنة يشعرون بأنهم مواطنون، بدؤوا ينظرون حولهم ليروا آثار الجراح وبقايا دولهم المنهوبة، لم يتوقفوا ولم يبحثوا عن الانتقام، هذا العالم الصغير يقول انظر إلى الأمام وتسامَ على جراحك، وإلا ستكرر عهد مجموعة المطرود والمسجون والمقتول.
يبدو أن هناك مجموعة لا تروقها نتائج نضال إخوانها، بدأنا نسمع التشكيك والتخوين ونشر مفهوم الخوف من نتائج التجربة، لو عدنا إلى تجارب غيرنا لوجدنا أن أعظم ثورة في التاريخ، والتي نسمع فيها جميعا ولا يعرفها أكثرنا وهي الثورة الفرنسية، لم تكن بنجاح أي من تجارب العرب خلال الشهور الماضية.ربما لا نعلم أن الثورة الفرنسية احتاجت ثلاث سنوات من القتال العنيف بين ميليشيات الثورة والجيش حتى يتم القبض على لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت؛ لتفصل المقصلة رأسيهما مع أركان الحكم قي ذلك الوقت، ولم يتوقف الأمر عند ذلك ويتسلم الثوار الحكم وتتم الانتخابات ويوضع الدستور، كان الطريق طويلا أمام الفرنسيين.بدأ التناحر بين الليبراليين والاشتراكيين والقوميين للسيطرة وطرد الآخر، والمقصلة لم تكن تتحرك من مكانها، فقط كانوا يأخذون الشفرة لسنها وإعادة إسقاطها على رقاب معارضين ومفكرين وكتاب ورؤساء أحزاب أيضا، واستمر هذا الأمر إلى تسع سنوات سوداء يغشاها الدم وتميزها رائحة القتل.توافقوا أخيرا على كتابة الدستور واستقامت الأمور قليلا، ولكن المفاجأة أن الأحزاب السياسية التي كانت تستأثر بالرئاسة أو المسؤولية لم تكن تعي معنى تداول السلطة أو طلبات المعارضة أو التخطيط لمستقبل دولتهم، ولا حتى أيضا طلبات المواطن العادي، وهذا الوضع المأساوي سحب فرنسا إلى مستنقع التخلف لخمس وسبعين سنة عجافا وفوضى لم تعرف لها مثيلا.مقارنة بسيطة سوف تشعرنا بالفرق بين ما حصل عندهم، وما تنعم به شمال إفريقيا الآن.لا يطوفنا، ما دمنا تحدثنا عن تجارب الغرب، أن نذكر ثورة أميركا!! نعم ثورة أميركا، فقد كان الأميركيون يعانون اضطهاد الإنكليز واحتكارهم الاقتصادي، وكان الإنكليز يقومون بفرض بيع سلعهم على الأميركيين المغلوبين، وعلى طريقة العرب هذه الأيام قاموا بثورة سلمية تمثلت بمقاطعة السلع الإنكليزية، مما أغضب العرش في الجزيرة المعزولة، وخرجت الأوامر بسحق المحتجين من جرذان أميركا وإرهابييها.وعندما بدأ القتل والتشريد لم يجد الأميركيون بدا من المواجهة وعلى أكثر من جبهة، كانت أقواها معركة ساراتوغا الفاصلة، والتي قام بعدها الأميركيون بطلب فرنسا للتدخل، وفعلا تدخلت فرنسا ودعمت الثوار بالسلاح والعتاد ووضعت مناطق حماية للهاربين من الحرب.لاحظوا... نفس الأسلوب وذات الطريقة، وفي النهاية اعتبر يوم 4 يوليو هو ميلاد أعظم إمبراطورية تطأ الأرض الآن، والسبب ثورة سلمية شعبية داخلية.*twitter@wathnan
مقالات
ثورة سلمية شعبية داخلية
29-10-2011