التغيير... الذي ننشده
نحن على موعد بعد أيام قليلة مع استحقاق تاريخي كبير متمثل بانتخابات مجلس الأمة التي تأتي في ظل ظروف استثنائية، بل إنها تعتبر بمنزلة مفترق طرق، فالمخاض العسير الذي عانته البلاد خلال السنوات الماضية آن له أن يلد مرحلة جديدة، فإما أن يكون المجلس القادم مولوداً صحيحاً معافى ينقلنا إلى مرحلة البناء والتنمية وإما، لا سمح الله، أن يكون مولوداً مشوهاً يبقينا في دوامة الصراعات السياسية التي سئم منها الجميع.وكعادة أي انتخابات برلمانية سابقة يسود أجواءها توجهان: أولهما مع استمرار الأعضاء السابقين وإعادة انتخابهم والآخر ينادي بالتغيير والتجديد وهذا أمر طبيعي، إلا أن ما هو غير طبيعي ومثير للجدل في هذه الانتخابات أن مَن يحمل لواء التغيير مرشحون أقل ما يوصفون به أنهم عابثون وذوو أجندة عنصرية فئوية يتكسبون منها ويتبجحون بها.
ومن المؤسف أن يتلقف هذا العبث ويروج له جمهور لا يستهان به من الناخبين، وذلك كردة فعل على أداء نواب المعارضة السابقين الذين ينظر إليهم على أنهم "مؤزمون"، وإذا سلمنا بهذا الأمر وافترضنا صحة التأزيم وردة الفعل عليه، فهل الحل هو استبدال مؤزمين بمؤزمين في الطرف الآخر لديهم تاريخ حافل بالصراعات والمنازعات، وهل المطلوب أن تصبح قاعة "عبدالله السالم" حلبة مصارعة بين الطرفين لكي يتمتع البعض بالتشفي و"يطلّع حرّته"؟ وهل هذا هو التغيير الذي ننتظره؟! لذلك ورغم قناعتي بأن هناك أعضاء سابقين كان لهم دور بارز في المجالس السابقة ويتطلب وجودهم في المرحلة المقبلة، فإنه وإن كان لا بد من التغيير فليصبّ في خانة الشباب الذين يحملون سجلات نظيفة وناصعة لم تلوثها ألاعيب السياسة، ولعل ما يميز هذه الانتخابات هو الحضور اللافت لبعض المرشحين الشباب، فعدد منهم فرض نفسه على الساحة خلال فترة وجيزة وفي أعقاب حل المجلس المفاجئ، وأصبحت أسماؤهم تتردد ويتردد معها صدى تحركاتهم وقوة أطروحاتهم؛ مما جعلهم يظهرون أمام الجميع كرقم صعب ومؤثر يحسب له حساب، ومع هذا كله نجد أن بعض الناخبين المطالبين بالتغيير يعزفون عن إعطاء أصواتهم للشباب بحجة حداثة سنهم أو لكونهم يخوضون الانتخابات للمرة الأولى، أو بسبب اعتقاد ليس بالضرورة يكون صحيحاً، وهم من يساهم بجعله واقعاً وهو ضعف فرصهم في النجاح!التاريخ يسجل أن من قاد نهضة البلاد في حكومات ما بعد الاستقلال هم وزراء شبان في أوائل الثلاثينيات من العمر فالشيخ جابر الأحمد والشيخ سعد العبدالله- رحمهما الله- وصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أمير البلاد- حفظه الله- كانوا في طليعة هؤلاء الوزراء الشباب، وعلى العكس تماماً نجد أن بعض الناخبين ينتقد أحد أقطاب المعارضة لكبر سنه، وفي الوقت ذاته يدعو لمرشح بالستينيات من العمر سليط اللسان يحمل معه قاموساً مليئاً بمفردات الشتائم!... "يا الله حسن الخاتمة".أن يختار الناخب مرشحاً موالياً للحكومة فهذا حقه لقناعته بأداء الحكومة وسياساتها، وفي المقابل اختيار الناخب لمرشح معارض للحكومة أيضاً أمر وارد، لكن أن يكون الاختيار دافعه "معارضة المعارضة"، فهذه بدعة انتخابية، وكم أتمنى من هؤلاء المبتدعين ألا يجهدوا أنفسهم بالذهاب إلى مقار التصويت، وأن يبقوا في بيوتهم أو شاليهاتهم أو مخيماتهم أمام "الدُوّه" لينعموا بالدفء ويتلذذوا بمذاق الحليب المهيل مع "الدرابيل" وليتمتعوا بشواء "الكستنة" في هذا الجو البارد حتى لا يكون مستقبل الكويت عرضة لاختيارات عشوائية.إن التغيير الذي ننشده لا يتحقق من خلال ردود الأفعال إنما يبنى على أسس اختيار مدروسة تصب في مصلحة الوطن، ولعل الشباب الواعي هو أحد خياراتنا المطروحة يوم 2/2 على ورقة الانتخاب، وليكن شهر فبراير، شهر الأفراح والأعياد الوطنية، فأل خير، ولتتوج أفراحنا بمجلس فيه رجال على قدر المسؤولية يمثلون الأمة خير تمثيل، وحكومة كفاءات ورجالات دولة يحملون هموم المواطن وآماله وتطلعاته... والله الموفق.