*شراء الولاءات السياسية أهم من مشروع بناء الدولة
* كادر المعلمين سيقر لأن الحكومة لن تضغط على أغلبيتها لرفضه الحكومة لا تكون جادة مع أغلبيتها النيابية إلا عندما يتعلق الأمر بمشروع استمرارها وبقائها، وأي أمر غير ذلك عرضة للمساومات والتفاوض، حتى إذا كان على حساب البلد ومستقبله وأمواله.رغم نجاح الحكومة أمس في تأجيل مناقشة كادر المعلمين ومكافآت الطلبة مدة أسبوعين بناء على ما تتيحه اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، فإن معظم التوقعات يشير إلى سهولة تمريرها عند المناقشة في ظل وجود اغلبية نيابية كاسحة تؤيد اقرار الكادر وفق رؤية جمعية المعلمين ومكافآت الطلبة وفق القانون الحالي مهما حاول وزير التربية والتعليم العالي احمد المليفي اجراء تعديلات عليهما.وللحقيقة، فإن اللافت فعلا في جلسة امس هو موقف الاغلبية النيابية المؤيدة للحكومة، التي تؤيدها في جميع المعارك السياسية، وتتخلى عنها عند مناقشة القوانين الاقتصادية او الكوادر المالية لموظفي الدولة.بمعنى أكثر وضوحا، فإن النواب الذين يصوتون مع الحكومة في الاستجوابات وتحويلها الى السرية وعدم التعاون وطرح الثقة والتحويل الى الدستورية، بل وحتى الغياب دون عذر في جلسات رفع الحصانة عن النائب فيصل المسلم، "الذين يطلق عليهم الأغلبية النيابية المؤيدة للحكومة ورئيسها"، هم أنفسهم من يعارض الحكومة ورئيسها وسياساتها المعلنة عند التصويت على الكوادر المالية واسقاط القروض وقوانين الخصخصة، بل وأي قوانين تحد من استنزاف اموال الدولة، واجيالها القادمة، وهذا وضع شاذ لا يحدث الا في الكويت.17 نائباًفالحكومة التي تحتاج عمليا لاسقاط كادر المعلمين ومكافآت الطلبة 17 نائبا، هي التي تحصل في اسوأ الاحوال على تأييد 25 نائبا في الاستجوابات التي تواجهها بجدية، ما يفتح المجال للتساؤل: ما الذي يجعل الحكومة جادة في مواجهة الاستجوابات مهما كانت قوتها، وغير مبالية في مشاريع الاستنزاف المالي مهما كانت غير منطقية؟الإجابة الوحيدة المنطقية عن هذا السؤال، هي أن الحكومة جادة في مشروع استمرارها وبقائها فقط، وأي أمر غير ذلك هو عرضة للمساومات والتفاوض حتى وإن كان على حساب البلد ومستقبله وأمواله.ما يعزز منطقية الاجابة السابقة هو التعامل الحكومي مع الإضرابات، فمجلس الوزراء الذي اعلن قبل اسبوع عدم تعاطيه او مناقشته اي كادر تحت ضغط الاضراب، هو ذاته من اعطى الضوء الاخضر لوزير المواصلات سالم الاذينة للموافقة على مطالب نقابة الخطوط الجوية الكويتية كاملة، دون اي اعتبار او احترام لبيان مجلس الوزراء الذي صدر قبل ايام قليلة.ومن ثم، فإن العيب ليس في الاغلبية النيابية بقدر ما هو في الحكومة التي لا تمارس ضغطا كافيا لتمرير رغباتها او قوانينها، مادامت هي اصلا غير مؤمنة بما تطرح او تصدر من بيانات، بل إن من بين نواب الاغلبية الحكومية من وقف وساند الاضرابات مخالفا وبصورة علنية الحكومة التي يؤيد التعاون معها ويحمي وزراءها من الاستجوابات.هذه الاغلبية النيابية تعتبر عبئا على الحكومة، لانه يمكن تمرير او اسقاط اي مشروعقانون وفقا لهذه الاغلبية المريحة، إلا أن الواقع السياسي يناقض حقيقة الارقام وحسابات الاغلبية والاقلية، لأن الحكومة اصلا غير جادة في طرح مشاريع قوانين تنموية لدرجة انها "جمدت" مشروع قانون الاستقرار المالي في اللجنة المالية في مجلس الامة أكثر من عامين رغم كونه مرسوم ضرورة كانت مناقشته ضرورية في اول جلسة بعد انتخاب مجلس الامة عام 2009.أمر ونهيومرسوم الاستقرار المالي الذي صدر ليعالج الاثار السلبية للازمة الاقتصادية العالمية على الكويت مثال واضح لضعف الرغبة الحكومية في مناقشة القضايا الجدية ذات الاثر الفعال في الاقتصاد الكويتي، رغم امتلاكها للأغلبية، فهي كما يعرف الجميع "تأمر وتنهى" معظم النواب في مجلس الامة، في كل شيء، الا في ما يتعلق بصد المطالب الانتخابية ومشاريع قوانين الاستنزاف المالي.وبنظرة الى احوال الميزانية العامة للدولة خلال ست سنوات نجد ان قيمة الكوادر والرواتب والبدلات ارتفعت 4 مليارات دينار لتصل الى 7.5 مليارات دينار بنسبة 38 في المئة من الميزانية (دون احتساب كلفة الكوادر والزيادات الخاصة بعام 2011).وبالطبع، فإن قيم هذه الزيادات المالية ستنعكس على ارتفاع سعر التعادل الذي يربط ميزانية الدولة بسعر برميل النفط المقوم بالميزانية الحالية بـ60 دولارا للبرميل، لكن التوقعات تشير الى انه في ظل اعتماد الزيادات على نفس الوتيرة الحالية فإن سعر التعادل في الميزانية الجديدة لن يقل عن 70 دولارا للبرميل.وقد يقول قائل: حتى في ظل ارتفاع سعر التعادل الى 70 او حتى 80 دولارا للبرميل فإن اسعار النفط الخام الكويتي تتداول حاليا عند مستوى اعلى من 100 دولار، ومن ثم فليس هناك اي مخاوف من تعثر الدولة في سداد التزاماتها.الا ان اوضاع السوق النفطي، خصوصا بعد عودة ليبيا تدريجيا الى الانتاج ومشاكل السيولة في العالم ومخاوف التباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي، فضلا عن حالة عدم اليقين، كلها عوامل تنذر بانخفاض اسعار النفط، وبالتالي التأثير السلبي في الموازنة العامة للدولة، واحتمال خروجها من سنوات الفوائض الى زمن العجوزات المالية.وليس هنالك دليل على احقية هذه المخاوف من تذكر ما حدث في عام 2008 اي بداية الازمة المالية العالمية عندما انهارت اسعار النفط من 154 دولارا الى 40 دولارا خلال اقل من 4 اشهر.المشكلة ان الحكومة تعلم اكثر من غيرها بهذه المخاوف، وهي من يحذر ويعطي الارقام المخيفة عن الاختلالات الهيكلية في الميزانية، لا سيما الباب الاول المخصص للرواتب والاجور، لكنها في نفس الوقت لا تبذل اي جهد يذكر في وقف اغلبيتها النيابية عن طرح المشاريع المتتالية المتعلقة بتضخيم هذا الباب بكوادر متتالية، حتى بلغ اجماليها امام مجلس الخدمة المدنية 32 كادرا وظيفيا تفوق كلفتها الاجمالية 820 مليون دينار كويتي ككلفة سنوية ثابتة.إن الحديث ليس عن جدوى الكوادر من عدمها، وليس عن مدى ارتقاء الخدمات بعد حصول الموظفين على الكوادر والزيادات، بل عن حكومة تتقاعس، لاسباب انتخابية ولشراء ولاءات سياسية، عن لعب اي دور ايجابي في الوقوف بوجه ما تعرف انه خطأ ومدمر لمستقبل الكويت، في وقت تبذل "الغالي والنفيس" في مشروع استمرارها والمحافظة على بقائها، مهما كانت النتائج... وهذا أصل البلاء.= مجلس الوزراء الذي رفض إقرار أي كادر تحت ضغط الإضراب هو ذاته الذي وافق على مطالب نقابة "الكويتية" كاملة= النواب الذين يصوتون مع الحكومة في الاستجوابات هم أنفسهم من يعارضها عند التصويت على الكوادر المالية وإسقاط القروض
اقتصاد
تقرير اقتصادي: الحكومة جادة مع نوابها في الاستجوابات... متهاونة في صد الكوادر
27-10-2011