يولد كل إنسان منا وقد ضمّت روحه النقيضين: الجمال والبشاعة، إلا أن البعض منا يحاول تصفية روحه من رجسها وأدرانها بوسائل عدة: العلم، العمل، الدين، الفن، التأمل، الخبرة الحياتية، رفاق الخير، اتخاذ العبر من الدروس المجانية التي تهديها لنا الحياة بشكل يومي... إلخ.
هذه بعض الطرق التي نحاول بها انتزاع الشوك الأسود من داخلنا، والإبقاء على ما تحمل أرواحنا من ورد نحرص على إبقائه طرياً محملاً بالشذى ما تبقى من العمر، إلا أن أهم هذه العوامل المؤثرة على قدرتنا في "تنقية" نفوسنا من عفنها من وجهة نظري هي... الناس. الناس غالباً يملكون قدرة هائلة على تأصيل إما العتمة فينا أو الصباحات المشرقة، والمحظوظون منا هم من يصادفون في مشوار حياتهم أولئك الذين يساهمون في توسيع مساحة جمالهم الداخلي، إلا أن الناس الذين نصادفهم في حياتنا ومنهم ربما الأقرباء والأصدقاء والأحبة ليسوا كذلك دائماً، فكما أن هناك أناساً يأخذون بأيدينا إلى مناهلنا العذبة لنروي ظمأ ثقتنا بأنفسنا، هناك من يحاول سحبنا بالسلاسل إلى مياهنا الآسنة ومستنقعاتنا لنذوق مرارة بشاعتنا، هناك من يسرّح شعر خصالنا، ويكحّل أعينها، ويُلبسها ملابس العيد، ويعطّرها قبل أن يأخذها إلى المرآة لنرى حسن صورتها، بينما هناك من يتصيّد الفرصة التي تكون فيها خصالنا في أقبح صورها، فيلتقط صورة فوتوغرافية لها يحتفظ بها أبد الدهر ليظهرها لنا كل حين ليذكّرنا بمدى قبحها/قبحنا، هناك من "يفلترنا" حتى لا نرى في أنفسنا إلا بياضنا، وهناك من يختزلنا في سوادنا، هناك من يعلّق صورنا أقماراً كي نرفع رؤوسنا إذا أردنا أن نرانا، بينما على الطرف الآخر هناك أناس يرمون وجوهنا أحجاراً على قارعة الطريق حتى نضطر إلى الانحناء لنلتقطها، الذين لا يرون فينا سوى السيئ هم من يحاولون تقليص مساحة النهار في ذواتنا، وهم من يقفون حجر عثرة في طريقنا لأن نصبح أجمل، وأن نصبح أروع وأبهى، يسرقون من خزنة أرواحنا كل اللآلئ والمجوهرات، والأساور الذهبية والحلي، لتبقى أرواحنا بلا زينة يقطفون زهورنا الجميلة، ويقتلعون أشجارنا الوارفة، وأغصاننا الخضراء لتبقى نفوسنا بلا مفاتن، يرمون القاذورات في أنهارنا العذبة، والأوساخ في جداولنا الزلال، يحاولون كل جهدهم أن يجعلونا نصدّق أننا بهذا السوء من البشاعة، لا لشيء... إلا أنهم سيئون! بعضنا يثق بهم، ويصدّق أن تلك هي صورته التي تعكسها مراياهم غير النزيهة، فيجد نفسه مع مرور الوقت أسيراً لقبحه الذي رسموه له، وبعضنا الآخر ينجو من فخاخهم الشرسة إما بفعل ثقته بذاته، أو بفعل أناس محبين أكثر جمالاً ونقاء للحد الذي يجعلهم لا يضخّمون سيئاتنا بقدر ما يعظّمون صفاتنا الحسنة، نحن لا نُولد أنقياء ولكن هناك أنقياء يساعدوننا على أن نكون كذلك، يساعدوننا على اكتشاف جمالنا والإمساك به بقبضة قلوبنا، يكونون مطراً يزيل الأتربة عن مصابيحنا لا غباراً يتكدّس عليها، فلينظر كل منا إلى نفسه ليكتشف إن كان مطراً... أم غباراً.
توابل
مطر نحن أم غبار؟!
17-11-2011