هذا الصباح

Ad

أراوغ كل الذين يراؤون وجهي

فأرسم بسمة صفراء

وعينين تزهو الرموش حواليهما

...

أيضاً

سأعلِّق قلبي من رجليهِ

وأصفعهُ

حتى يلفظَ آخرهم

* محمد حبيبي

ليست اللغة وحدها ما يتكئ عليه الشاعر محمد حبيبي في ديوانه "جالسا مع وحدك"، وإن يكن للغة حضورها البهي المكثف، المليء بالمجاز، فالشاعر يرتسم لذاته "مناطق" دلالية تحوم حولها القصة كاملة، تتراوح تلك الإشارات الدلالية بين لحظات الطفولة وأيامها التي يختطفنا إليها الحنين، وبين واقع مرتهن بين أشياء القرية الوديعة، وشوارع المدينة المليئة بالقسوة والمرارة.

تتحقق هذه "القسوة" عبر ثنائية متجاورة، تظهر في نصين متتاليين هما: "كفان" و"فاصل". في النص الأول يتمثل لنا "كف" امرأة مترفة تداعب هاتفها النقال. في مقابل امرأة أخرى، تتضور جوعا، ولا تجد كفها "الخشنة" سوى تقليب سلال المهملات، بحثا عن كسرة خبز يابسة. تقول:

"كف امرأة في ناصية الشارع/ من ليل عباءتها انشقّت بارقة/ كقطيفة قيض صدعتك/ لتغمز "موبايل"...

كف امرأة في ذات الشارع/ من باهت لون عباءتها انحسرت/ عن رغبة طفل/ تتأرجح هامته/ ملزوقا بالظهر/ تغوص ببطء للقاع/ تنوش ذباب الحاوية/ لترتفع أخيرا/ ماسحة عن قطعة خبز/ تالف قشرات الموز".

في النص لآخر يصطنع حبيبي المفارقة ذاتها، ولكن هذه المرة من زاوية الطفولة، ملتقطا لحظة هي الأجمل والأكثر رسوخا، لحظة يتجلى الطفل أمام أدواته المدرسية، متأملا مستقبلا مشرقا، أو قد لا يكون مشرقا بالنسبة إلى طفل آخر، تقذفه رياح الفقر، أمام المجمعات والمحال التجارية، يقول:

ليل العودة للمدرسة/ أمام رفوف القرطاسية/ بين الأدوات "الروكو" و"الباركر"/ يقف صبي الاثني عشر ربيعا/ يختار لصغرى تشبهه علبة هندسية/ وحقيبة "فلة"...

في الخارج/ منعَكَسٌ بزجاج القرطاسية/ طفل بالعاشرة/ وصغرى تشبهه/ وقفا ليعدّا/ بأصابع كفين صغيرين وخشنين/ ريالات معروقة/ أجرِهِما عن جر ودفع العربات".

وعلى الرغم من أن الشاعر حبيبي أصدر ثلاث مجموعات شعرية سابقة للكتاب هذا، إلا أنه - بحسب ما أظن- تبقى تجربة الديوان الأول: "انكسرت وحيدا" هي الأكثر تألقا وبهاء، وبرغم مرور خمسة عشر عاما على تلك التجربة إلا أن النصوص مازالت تحتفظ بألقها وجمالها، ذلك لأن الشاعر استطاع الحفاظ على المجاز، ومفارقة اللغة، بمعنى أن القصائد ليست باهتة، أو تقليدية مغلقة، قصائد تنجح في صنع الموازنة بين المضمون واللفظ.

في ديوانه الأخير واضح أن اللغة ازدادت كثافة، كما أن الإيقاع الداخلي الخارجي باق على حاله، إيقاع يُسهم في صناعة الصورة، والمواءمة بين الشكل والمضمون، وهو مضمون مكتنف بالحنين إلى الماضي دائما، لنتأمله في نصوص مثل: "أثاث"، و"انعكاس"، و"صرخة". يقول في نص "أثاث":

"ماذا يحدث/ حين تفكر في تغيير أثاث المنزل، لحظة ملل/ ورضوخ لطنين الأطفال/ وصرعات الديكور لدى الجيران/ ماذا يحدث حين سيبدأ عمل فك الأيام/ وحلحلة لرموش الذكرى/ كيف ستبصرهم يمضون إلى الركن الخلفي/ بمنجرة أو رف منسي/ بمحل لبيع أثاث مستعمل/ ماذا تفعل حين تخلي عشرات الآهات/ الأنفاس/ الغرقى/ العرقى بالقبل/ مجال مساومة لزبون محل".