عندما يبدأ النظام، أيُّ نظام، باللجوء إلى التصفية الجسدية وإلى الاعتداءات والعنف وإلى سياسة "الزعران" و"الشبيحة" للتخلص من معارضيه، فإن هذا يعني أن أيامه باتت قليلة، وأنه لم يعد يثق بنفسه ولا بالنظام الذي يتربع فوق قمته... وهذا هو التاريخ أمامنا، وفيه في هذا المجال عبر ودروس كثيرة.

Ad

كانت الضربة القاضية التي تلقاها رئيس الفلبين الأسبق فرديناند ماركوس، فخرج من الحكم والبلاد وبقي طريداً مشرداً، لم تقبل أي دولة في العالم بإيوائه، حتى بما في ذلك الولايات المتحدة التي كان ضابط شرطتها في تلك المنطقة الاستراتيجية من العالم، هي اغتيال معارضه العنيد بنينو أكينو في الحادي والعشرين من أغسطس 1983 في مطار مانيلا لدى عودته ليقود المعارضة بعد أن بقي في المنافي والغربة سنوات طويلة.

وحقيقة، فإن هذا ما كان فعله شاه إيران السابق رضا بهلوي، عندما أطلق جهاز "السافاك" الرهيب ليطارد المعارضين حتى خارج البلاد، وليغتال من استطاع الوصول إليهم في منافيهم، وهذا ما فعله معمر القذافي عندما اشترى قادة بعض الفصائل الفلسطينية وكواتم أصوات مسدساتهم، وأرسلهم ليلاحقوا رموز المعارضة الليبية من الذين فروا بأرواحهم وبأبنائهم، واختاروا أن يعملوا ضد النظام "الجماهيري" من الخارج.

والمعروف أن القذافي، كدلالة على الرعب الذي كان ينتابه وعلى أن أيامه أصبحت قليلة، قد رتب اختطاف منصور الكيخيا، الذي كان يعتبر أبرز قادة المعارضة الليبية، من القاهرة خلال وجوده فيها لحضور مؤتمر دولي حيث تمت تصفيته، بعد نقله إلى ليبيا في عملية بوليسية شاركت فيها تنظيمات وأجهزة استخبارية عربية، يجب أن يفتح النظام الجديد ملفها لينال كل من لعب دوراً فيها العقاب الذي يستحقه.

الآن ها هو الرئيس بشار الأسد يفعل ما كان فعله فرديناند ماركوس عشية إطاحته وهروبه إلى خارج بلاده طريداً وشريداً لم يقبل به حتى أصدقاؤه الأميركيون، فاغتيال المعارض المعتدل فعلاً مشعل تمو يدل على ضيق الأفق، وعلى الرعب وعدم الثقة لا بالنفس ولا بالنظام ولا بالمستقبل، وهذا ما سيتأكد عندما يفر أعوان الرئيس السوري من حوله كالفئران المذعورة، وعندما يصبح هو لاجئاً لا يجد مَن يؤويه حتى بما في ذلك أصدقاؤه الروس الذين حاولوا بيع حقهم بالنقض "الفيتو"، لكنهم عندما لم يجدوا من يدفع الثمن الذي يريدونه اتخذوا ذلك الموقف الذي اتخذوه، والذي سيكون وصمة عار ستلاحقهم على مدى حقَب التاريخ.

عندما يلجأ هذا النظام إلى إرسال "شبيحته" لاغتيال مشعل تمو، وهو في منزله وبين أبنائه، وعندما يرسل هذا النظام "جلاوزته" لتكسير أصابع الرسام العالمي المبدع علي فرزات، وعندما لا يجد ما يرد به على المعارض المعتدل رياض سيف إلا بإرسال زعرانه ليعترضوا طريقه وهو خارج من صلاة الجمعة الماضية، ويملأوا وجهه وجسمه بالرضوض والكدمات، فإن هذا يدل على أن مصير الأسد حتى، وإن طال، سيكون مثل مصير فرديناند ماركوس ومثل مصير القذافي وشاه إيران، فأحداث التاريخ عبارة عن دروس وعبر، والحديث النبوي الشريف يقول: "السعيد من وُعِظ بغيره"... والشقي مَن اتعظ بنفسه، فهل تذكرون بنينو أكينو؟!