الصحافة العراقية الهزلية مبكية منذ العهد السومري
يمتد تاريخ الصحافة العراقية إلى قرون طويلة، فهي ليست بحديثة العهد، بل هي متجذرة منذ القدم، وكان لها دور بارز في أغلب مراحل التاريخ العراقي القديم والمعاصر، ومنها تلك التي تتسم بالهزل والسخرية من واقع حال كان يعيشه المواطن العراقي على مر العصور منذ العهد البابلي، وكان هناك من يكتبون في هذا الجانب. ووجد الباحثون في ودائع وخزائن الإمبراطور"آشور بانيبال" في محافظة نينوى سجلات مفصلة ومنسقة حسب حوادثها وتواريخها تتسم بالسخرية، وهي تمثل الصحافة أو ما يقوم مقامها آنذاك.وذكر بعض المعنيين بالتاريخ والآثار أن الآشوريين هم من ابتدع الصحافة المصورة، إذ كانوا يرقمون حوادث انتصاراتهم وبجانب الرقم يصورون بالألوان الأسرى من الملوك أو الرعايا ويعرضونها في قصورهم وأبهائهم العامة وشوارعهم الكبرى، ويجد المرء نماذج من هذه الرقم الطينية المصورة في متحفَي بغداد ولندن، معتبرين ذلك نوعاً من أنواع الصحافة المبكرة قبل اختراع الطباعة.
وفي عهد الطباعة أنشئ في العراق على يد الوالي التركي مدحت باشا أول جريدة باسم "زوراء" في عام 1869، إذ جعلها الوالي لسان حال الولاية، وقد استمرت "زوراء" في الصدور مدة تقارب الـ48 عاماً حتى بلغ مجموع ما صدر منها تقريباً 2607 أعداد، تفاوتت في مستوياتها وفق المراحل الزمنية التي صدرت فيها وطبيعها، كما شهدت بغداد ومدن العراق الأخرى في الفترات اللاحقة صدور مجموعة كبيرة من الصحف يضيق المجال هنا بذكرها. ولئن شهد عالم الصحافة العراقية عناوين كثيرة لصحف أرادت أو حاولت أن تتسم مسيرتها بسمة الهزل الهادف والسخرية، فإن الواقع يؤشر عناوين محدودة جداً، لصحف وصلت أو كادت أن تصل إلى ذلك المستوى الذي تمناه أصحابها لها، ولقد حاول أغلب أصحاب صحف الهزل العراقية تقليد صحف "إسطنبول" لأنها كانت عاصمة السلطنة، وفيها تصدر أبرز الصحف التي تستقي ما تنشره من ثقافات ومعارف غربية، إضافة إلى المبتكر المحلي. وبناءً على ذلك اختارت الصحافة العراقية لنفسها طريق الهزل الناقد والنقد الهازل.ومن الأقلام الفكاهية الساخرة والرائدة في تاريخ الصحافة العراقية هو صادق الأزدي صاحب مجلة قرندل، كذلك رائد الصحافة الهزلية في العراق نوري ثابت، الذي كان يكتب تحت اسم مستعار "حبزبوز" في جريدة البلاد، التي أسسها في الثلاثينيات من القرن الماضي، تيمناً بأحد "شقاوات" بغداد واسمه "أحمد حبزبوز"، وتميزت كتابته بالنقد اللاذع للواقع الذي يعيشه الإنسان العراقي آنذاك، ثم أصدر ميخائيل تيسي جريدة الناقد وجريدة النديم لصاحبها ناصر جرجيس، وفاضل قاسم راجي صاحب جريدة "قزموز".أيضاً كانت هناك بعض الصحف الهزلية التي صدرت عقب الحرب العالمية الثانية ومنها الكشكول، وجفجير البلد، وأبو النواس، والبريد، والقلم، والفيحاء وغيرها من الصحف الهزلية الساخرة.وإذا قورنت الصحف العراقية التي تصدر اليوم بتلك الصحف القديمة فإنها لا ترقى إلى مستواها من ناحية النقد اللاذع والبناء بشكله الهزلي اللاذع من أجل بناء وطن متطور ومتقدم. فصحف اليوم ينطبق عليها القول "كل يغني على ليلاه"، ولا يوجد من يغني عن ليلى الوطن!.