ضغطة زر!

نشر في 16-06-2011
آخر تحديث 16-06-2011 | 00:00
No Image Caption
 د. ساجد العبدلي  تخيل لو وضعوا أمامك صندوقا صغيرا فيه زر وحيد، وقيل لك سنعطيك مليون دينار، لو أنك قمت بضغط هذا الزر، ولكن اعلم أنه بضغطك له سيموت شخص ما، في مكان ما، ربما مكان قريب أو بعيد، لكنه شخص غريب لا تعرفه مطلقا، والناس أصلا تموت بالعشرات في كل لحظة، ولأسباب متنوعة.

 شخص واحد من هؤلاء الذين سيموتون سيموت بسبب ضغطك للزر، لكن اطمئن، فلن يمكن ربطك بموته مطلقا، فأنت فقط من سيعرف بأن شخصا ما، مجهولا تماما بالنسبة إليك، قد مات بسبب ضغطك للزر، ولعلك حتى لن تكون جازما بذلك.

ماذا سيكون جوابك حينها؟!

تمهل وتأمل، قبل أن تجيب عن السؤال... لا تتسرع في الموافقة، فهناك شخص سيموت حقا، ولا تلعب دور المثالي أيضاً، فنحن نتكلم عن مليون دينار عداً ونقداً!

هذا العرض "الفانتازي"، الخيالي بطبيعة الحال، هو مدار فيلم الصندوق "The Box"، والذي يظهر فيه فرانك لانجيلا (من قام بدور الرئيس نيكسون ببراعة في فيلم فروست/نيكسون)، بوجهه المشوه في الفيلم، ليطرق باب الزوجين كاميرون دياز وجيمس مارسدن، عارضا عليهما هذا العرض الغريب!

تتلاحق أحداث الفيلم وهي تمر بمناطق مليئة بالظلال والغموض، بوتيرة لم تعجب النقاد كثيرا، وإن كانت أعجبتني!

وما أعجبني في فيلم الصندوق هو الإسقاط الإنساني البليغ الذي بدا لي، والعبرة المستقاة منه.

لن يوجد هذا المشهد في الحياة، بطبيعة الحال، ولكن هناك الكثير مما يقترب منه ويشابهه، وربما يماثله، فيوميا، في العمل وفي الشارع وفي كل مكان، بفعل واحد... بردة فعل واحدة... بتصرف واحد... بموقف واحد... أو حتى بكلمة واحدة، تماماً كما ضغطة زر واحدة، قد يقوم الواحد منا بالتأثير في حياة إنسان آخر؛ إنسان قريب يعرفه أو ربما بعيد مجهول لا يعرفه، بتأثير قد يكون إيجابيا صغيرا، كرسم بسمة على وجهه، أو لعله يكون تأثيرا كبيرا عظيما جداً، كمساعدة أو شفاعة يحيي بها الأمل ويعيد بها الحياة في قلب هذا الإنسان.

 والعكس عكس كذلك، بفعل واحد... بردة فعل واحدة... بتصرف واحد... بموقف واحد... أو حتى بكلمة واحدة، قد يكون تأثير الواحد منا في إنسان آخر، تأثيرا سلبيا صغيرا، كجرح عابر للمشاعر، أو تأثير سلبي مدمر، ينهي مستقبله، ماديا أو معنويا، ولعله يدمره تدميراً!

لست أبالغ هنا في وصف المشهد، فكم من الناس يدينون بفضل كبير لأناس آخرين، يرون أنهم السبب في سعادتهم ونجاحهم واستقرارهم، من بعد الله، وكم من أناس يدعون بالشر ليل نهار على آخرين لأنهم كانوا في نظرهم السبب في ضياع مستقبلهم أو تدميرهم وتحطيمهم، وبين هذين الصنفين، يتدرج البشر في شعورهم بالعرفان تجاه الآخرين، أو شعورهم بكرههم ومقتهم والنقمة عليهم.

لهذا ألا ترون معي كم هو من المهم أن يعي الواحد منا تمام الوعي هذه الحقيقة؛ حقيقة أن تصرفاتنا، أفعالنا، أقوالنا، وأحيانا صمتنا وتجاهلنا، وعدم قيامنا بدورنا، كثيرا ما يكون بمنزلة "ضغطة الزر" التي يكون لها بالغ الأثر، إيجابا أو سلبا، في حياة الناس من حولنا، القريب منهم والبعيد؟

أنا أؤمن بذلك كثيرا، فلننتبه ونحن نضغط الأزرار!

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top