الدب الروسي... وأحداث حمصغراد
حمص مدينة الحدث اليوم، وعاصمة ثورات الربيع العربي الحقيقية، سأطلق عليها في مقالتي "حمصغراد" تشبيهاً وتيمناً بمدينة لينينغراد الروسية التي شهدت ملحمة الدفاع عن النفس والحرية أثناء الحرب العالمية الثانية، لعل الدب الروسي يفيق من نعاسه الإنساني في موسكو، ويعي المأساة الإنسانية في حمص، ويقرر أن يتوقف عن تعطيل القرار الدولي لمواجهة المذابح والجرائم التي تشهدها سورية ضد النساء والأطفال والرجال من جميع الأعمار والأعراق والأديان.الروس بالتأكيد يعرفون حقيقة ما يحدث في سورية، وكلامهم عن عصابات مسلحة ومتمردين هو هراء لا يشكل شيئاً من الحقيقة على الأرض السورية، وهو أسلوب تلاعب اخترعه النظام السوري ويردده الروس والصينيون لستر عورة موقفهم وتغييب ضميرهم الإنساني.
الأدب الروسي والعالمي وكذلك السينما وثقت، بعشرات الأعمال الرائعة، مآسي وصمود وكفاح سكان لينينغراد (سانت بطرسبرغ حالياً) وصمود جنود الاتحاد السوفياتي الذين حوصروا داخلها من الجيش النازي، ورغم الحصار الطويل القاتل للمدينة الذي امتد أشهراً طويلة فإنها استطاعت أن تدحر في النهاية المعتدي المستبد، رغم اختراقاته وانتصاراته المحدودة لبعض أجزاء المدينة، وأنا متأكد أن الأدب العربي والعالمي سيوثق ما حدث من اعتداء وتدمير ومذابح في مدينة حمص وإدلب وكل المدن والقرى السورية، وخاصة حي بابا عمرو، ضد قوى الاستبداد والظلم من النظام الأسدي في سورية، وسيكون في خلفية كل هذه الأعمال شبح السلاح والدعم الفني والسياسي الروسي المخزي، وأياد سياسية متلطخة بالتبعية بدماء الأطفال والنساء والرجال السوريين.ما يمارسه الروس، وبالتبعية الصينيون، تجاه الشعب السوري هو جريمة بحق الإنسانية جمعاء والعرب والمسلمين والسوريين تحديداً، وينهي أي دور في مشروع إنساني حضاري روسي أو صيني في العالم، وهما دولتان كبريان لا يمكنهما أن تسوقا مشروعاً أممياً لهما عبر المواقف الانتهازية وأرقام التصدير والاستيراد والإنجازات المادية فقط، دون أي بعد إنساني، فما يحدث في حمص وإدلب هو دفاع شعب ضد نظام فقد شرعيته تماماً، فأصبح ذلك النظام وكل المنتمين إليه بحكم الغازي الأجنبي المغتصب لشعب لا يريده، وهو ما يجعل حمص وإدلب نسختين عن لينينغراد وستلينغراد في حربهما ضد المحتل النازي، وكذلك حروب التحرير الصينية ضد اليابانيين والإمبرياليين.ورغم كل المواقف المحبطة والمخزية إنسانياً لموسكو وبكين ضد الشعب السوري وتقديمهما التغطية السياسية والدعم المادي للنظام المجرم هناك، فإننا مازلنا نأمل أن يصحو البعد الإنساني الذي تجسده لينينغراد لعذابات الإنسان المحاصر والمعتدى عليه في تاريخ وفكر روسيا لتنتصر للقيم الإنسانية وتحيي بعداً ميتاً في مشروعها للبقاء، كدولة عظمى بعيداً عن أعداد وأرقام القوة الصماء، لأنه لا بقاء طوال التاريخ لحضارة أو قوة عظمى بلا مضمون إنساني حضاري يعلي قيم الحرية والديمقراطية، وبعكس ذلك، فإن قوة مثل روسيا تعطي الرخصة والغطاء لنظام يمارس مذابح للأطفال والنساء والعزل ليبقى في السلطة، لا تستحق أن تبقى ذات شأن في إدارة أمور المجتمع الدولي، أو يبقى اتصالها بحراك البشرية ومستقبلها مقبولاً.