كلمة راس: البعرة تدل على البعير
بين الجرأة والاستهتار خيط رفيع يغيب عن نظر الكثيرين، فيخلطون بينهما ويضعون أحدهما محل الآخر فيرفعون المستهتر إلى مقام الشجاعة والجرأة وينزلون الشجاع الجريء إلى مهاوي الاستهتار فتنقلب الصورة وتضيع القيم وتتداخل الأمور، فلا نحصد إلا حنظلا بعد أن كنا نحلم بالعنب والخوخ والرمان.فالجرأة أن تقول أو أن تفعل ما يعجز أو يتردد فيه الآخرون خوفاً من العاقبة دون تحرر من قيود القانون أو تجرد من لباس الخلق الكريم، وأن تقصد في فعلك إنكار منكر أو أمراً بمعروف، أو تحقيق منفعة عامة أو رد حق لمظلوم، أو إعلاء كلمة الله، أما الاستهتار فهو أن تقول أو تفعل ما يترفع عنه الآخرون متحرراً من كل أدب وخلق طلباً لشهرة أو انتقاماً من شخص أو مدفوعاً بأجرة أو سعياً لتحقيق منفعة شخصية أو شهرة دنيوية.
ومن يرد أن يرى أمثلة على ما تقدم فما عليه إلا أن يتابع ما يدور وما يقال في ندوات المرشحين هذه الأيام، فالصواريخ والقذائف المدفعية التي تنطلق عبر مايكروفونات الندوات والمحاضرات والتي تضرب في كل اتجاه وتدك حصون العفة والشرف، وتكسر أبواب الخصوصيات، تتهدد وتتوعد بنبش القبور وكشف المستور دون رادع من دين ولا خلق، مستعدة لهدم كل من يعترض طريقها أو يعارض رأيها، أو يحاول منعها من الوصول لأغراضها، والمشكلة ليست في تلك الأصوات النشاز، ولا في أصحابها فلا يكاد يخلو زمن من تلك العينة، لكن المشكلة الحقيقية في الأتباع الذين يصدقونهم ويصفقون لهم مؤيدين ومساندين ومشجعين بل ومدافعين عنهم ضد كل من يحاول أن يتكلم عليهم بكلمة فأصبحوا بقدرة قادر أبطالاً قوميين ونماذج يحتذى بها، وأصبحت أساليبهم مناهج يتبناها الأتباع ويسوقونها للعامة دون أن يتجرأ أحد على تمحيصها والتدقيق فيها ليكشف عوراتها وخطورتها على العمل السياسي بل على البنية الاجتماعية في الدولة. ***الأعرابي الذي تربى على الفطرة يقول: البعرة تدل على البعير... ونقول إن السب والشتيمة يدلان على قلة الأدب وضعف التربية، ورمي الناس بلا دليل مؤشر إلى الكذب وضعف الإيمان، فانتبهوا فلم يتبق على شهادتكم إلا أيام معدودات.