شروق أمين... بين فضيلة النقد وحراس الفضيلة
![لمى فريد العثمان](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1484143549116340400/1484143549000/1280x960.jpg)
لا يمكن أن يقبل أي مجتمع ديمقراطي حقيقي اقتحام مكان ما دون إذن النيابة أو أن يغلق معرض اللوحات الفنية عنوة لأنه لم يعجب شخصاً ما، من حقه أن ينتقد ويناقش، أما أن تقيّمه وتحكم عليه الشرطة الأخلاقية من منظورها وفهمها الخاص وتنفذ عليه أحكامها العرفية فهو أمر معيب ومخجل. لا تدرك هذه العقول الخائفة الموتورة أن التفكير النقدي كان الدواء الذي عالج آفتي التعصب والانغلاق في المجتمعات التي تعافت واستنارت، فحولت الطاقات المهدورة إلى طاقات إبداعية منتجة. أما في مجتمعاتنا فلا تزال العقول المعطلة المهدورة التي أصابها القحط والجفاف واليبس أسيرة لأوهام العادات والتقاليد وفاقدة لمقومات التفكير النقدي التي تعري سلبيات المجتمع وازدواجيته كما عبرت عنه د. شروق أمين في لوحاتها... فغياب فضيلة النقد هي سبب تقهقرنا الأخلاقي والمجتمعي الذي تحرسه شرطة "الفضيلة".هذا الحدث غير المسبوق يذكرنا بممارسات "حراس الفضيلة"، سواء في التاريخ المتمثل بمحاكم التفتيش في أوروبا أو البوليس الأخلاقي في تجارب الواقع الحالي للدول المجاورة الذي نصب نفسه وكيلاً للخالق، يجوب الشوارع والأسواق للتفتيش والتطفل على الناس وضمائرهم لضبط المجتمع وحمايته من الفساد، وما دروا أن الاستبداد والفساد توأمان لا يفترقان، وأن المجتمع الأكثر انغلاقاً هو المجتمع الأقل أخلاقاً... لأنه مجتمع غير حر يكثر فيه الرياء والنفاق والكذب، ومهما أكثر حراسه ووعاظه من التنظير والتهديد والوعيد فإنه يظل يعاني أزمة أخلاقية مستفحلة، لأن القيم لا تترسخ بالوعظ والإرهاب والتفتيش، إنما بفضيلة التفكير النقدي ودراسة المجتمع والوقوف عند سلوكياته وسلبياته وفضحها ومعالجتها، فمصادرة حرية الرأي كما عبر طه حسين "لا تحمي الفضيلة، وإنما تحمي الرذيلة".نعم يا شروق أنت تدفعين ثمن معركة غير متكافئة، هي معركة بين قلم وريشة وبين أسلحة فتاكة تزرع الخوف والهلع في العقول... ولكنك لست وحدك من يدفع الثمن الباهظ. هي معركة تاريخية بدأت منذ حرق كتب ابن رشد، ولا يزال مشهد التنكيل والنفي والإقصاء يتكرر إلى يومنا هذا بشكل تراجيدي... هي معركة دفع ثمنها التنويريون في أوروبا، لكن الفرق بيننا وبينهم أن مجتمعاتهم انتصرت حين بدلت حراس الفضيلة بفضيلة النقد.