غمرتنا مفاهيم العولمة من جميع الاتجاهات, وأثقلت الشبكات الإلكترونية بالمعلومات بأصنافها كافة، فاختارت بعض الدول أن تواكب العولمة وتعتمد استراتيجية إعلامية متكاملة للربط بين المؤسسات، وكرست أهمية الإعلام التقني عبر إنشاء المدن الإعلامية ومدن خاصة بريادة الأعمال الإلكترونية إلى جانب الحكومة الإلكترونية.

Ad

واختار البعض الآخر اعتمادا جزئيا على التكنولوجيا خشية الاستغناء التام عن دور الدولة، مما أدى إلى تفشي ظواهر متعددة كدخول الوسطاء بين المواطن والدولة كالنواب وغيرهم, بالإضافة إلى انتشار وسائل الإعلام الإلكتروني خارج نطاق التنظيم والتوجيه.

وبمناسبة الحديث عن الإعلام الإلكتروني، يشير توني بلير في تقريره الشهير إلى "حاجة الكويت إلى سياسة للإعلام الاستباقي"، واعتقدت بعد نشر التقرير أن وزارة الإعلام ستطرح مبادرة للإعلام الاستباقي وتباشر بتجهيز الكوادر الإعلامية، وتخيلت أيضا أن وزارات الدولة كالخارجية والداخلية والصحة والشؤون وغيرها ستباشر بتحديث أقسامها الخاصة بالإعلام والعلاقات العامة، ولم أدرك أن استباقية الإعلام ستكون من نصيب البرلمانيين، وذلك في التعامل مع كوارث الإشاعات بأنماطها كافة المليونية وغير المليونية. فعند إشاعة خبر الإيداعات المليونية، وإن كانت "ويكيليكس" قد استبقت الصحف في نشرها, استبق أعضاء البرلمان مؤسسات الدولة في إطلاق التصريحات والاتهامات تجاه من يفترض أن يكون الراشي والمرتشي، تبعتها كارثة الاتهامات البرلمانية أو بالأحرى الإرهاب البرلماني الذي وجهه بعض الأعضاء إلى وزارة الداخلية بممارستهم دورا استباقيا سلبيا أخرج القضايا الأمنية إلى خارج أسوار الوزارة، وامتدت التصريحات البرلمانية من الصحافة إلى الفضائيات التي باشرت في عملية "نشر الغسيل" في هذا الوقت الحرج "إقليميا".

ولو بحثنا عن الطرق السلمية للتعامل مع تلك الكوارث "الإعلامية" لوجدناها كثيرة، ولعل أبسطها قيام النواب بالدور التنفيذي المطلوب لحل تلك القضايا، وسأتناول اليوم قضية الفساد في المؤسسة التشريعية فقد توقعنا أن يقر المجلس:

• قانون الإفصاح عن الذمة المالية للقياديين وأعضاء البرلمان في فترات متباعدة تسمح بعمل دراسة مقارنة للأرصدة.

• قانون حماية المبلِّغ عن الفساد (التبليغ وليس التشهير).

• قانونا يضع سقفا للإنفاق على الحملات الانتخابية.

• قانونا للإفصاح عن أسماء المتبرعين للحملات الانتخابية.

ولعل الفترة مناسبة لدراسة واستطلاع الآراء حول أسباب ودوافع لجوء عضو البرلمان أو حتى المرشحين الجدد إلى استلام "مبلغ"... هل هي الحاجة إلى حملة انتخابية قادمة ومجابهة الارتفاع الجنوني لسقف الإنفاق على الحملات البرلمانية؟ أم هل هي ثمن لمواقف من قضايا معينة؟ وكيف يحدث ذلك؟ وهل بوسائل الترغيب الحكومي عبر طرح مناصب شاغرة أم بالضغط البرلماني عبر أسئلة برلمانية جارحة أم بالاثنين معا؟ وهل هو جهل بمدركات الفساد الإداري والرشوة... أي عدم التمييز بين العطايا والتبرعات والرشوة؟ وكيف يقيم أبناء الدوائر الانتخابية خصوصا "الناخبين الجدد" أداء النائب اليوم بعد تلك القضايا؟ وكيف ينظر إلينا العالم بعد التشكيك في مؤسستنا التشريعية؟!

واليوم... فقد استحوذ ملف الزيادة المالية للكوادر على اهتمام الأعضاء فأبعدهم عن التشريع، وخلت اللجان من التكتلات التي قاطعتها، وتحول اهتمام القنوات الفضائية إلى وجوه جديدة أكثر جرأة، وهم "المؤهلون الجدد" لمجلس الأمة الذين وصلوا إلى الساحة الإعلامية متحدثين باسم "المعارضة", وغاب عن اللوائح الداخلية قانون للكتل البرلمانية حتى أصبحت تسمية الكتل والعضوية والانتقال من كتلة إلى أخرى حدثا إعلاميا أكثر منه سياسيا! وللحديث بقية.