على الرغم من محدودية مكونات المجتمع الكويتي من ناحية التكوين العرقي والسياسي، فإن شدة الاختلافات وتوابعها أصبحت ملفا حساسا لا يمكن تفويته أو المرور عليه دون التوقف لحظات لالتقاط الأنفاس ومراجعتها.

Ad

أتحدث عن هذا الموضوع بعد أن وجه إلي سؤال من قبل أحد الأصدقاء حول ما إذا كانت الاختلافات في الآراء والتوجهات شيئا جيد أم سيئا؟ ومع أن إجابتي عنه كانت بسرعة البرق، مؤكدا أنها من النعم التي تمنحها لنا الديمقراطية، لكنني توقفت للحظات اختلفت فيها مع نفسي عند سؤال الثاني: «إذن... لماذا وصلت خلافاتنا إلى حد المرحلة التي بتنا نخون فيها معارضينا، على الرغم من أننا مجتمع صغير لم يألف يوما من الأيام أي شكل من أشكال الانقسامات المجتمعية الفئوية، وخير دليل على هذا، ما تلقيناه من صفعات على مدى تاريخنا؟».

أجبته على مضض دون اقتناع مني بأنها حالات فردية لا يمكن تعميمها، إلا أن الحقيقة هي تخوفي من مستقبلنا بعد أن ناقشت سؤاله مع نفسي حول مظاهر التكفير والتخوين والتشكيك وهدر الدم وغيرها من تصرفات نواجهها حال اختلافنا دينيا أو فكريا مع أحدهم.

هذا النقاش العميق والعقيم، قذفني على نافذة صراع آخر حول ما إذا كنت أؤيد تدخل السلطة إذا ما وصلت اختلافاتنا إلى مرحلة تكسير العظام التي نعيش مراحلها الابتدائية «القولية» هذه الأيام، لكني عدت برشدي إلى أرض الواقع ليقيني أن أي سلطة كانت لن تتدخل لمصلحة المنفعة العامة، ولن تحول أي مساوئ للاختلاف إلا إلى نقاش من مسار واحد بين الأطراف يكون مصبوبا في مصلحتها بلا شك.

نحتاج اليوم إلى تأصيل قيم الاختلاف، ولعل أهمها احترام وجهات النظر المتباينة ضمن قاعدة «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية»، مع تأكيد وتعزيز فكرة أن «اختلافاتنا لم تنشأ في دواخلنا إلا اعتقادا منا أنها تصب في مصلحة الوطن»، وهذه الاختلافات والتباينات ستصل بنا إلى شاطئ الأمان الذي سنجد فيه الرأي الأمثل لأي مشكلة تواجهنا.

لست أخاف اليوم إلا من تحول مجتمعنا إلى مجتمع لبناني آخر، هذا المجتمع الذي كان مضرب الأمثال في تنوع المشارب والاختلافات قبل أن تتحول تبايناتهم إلى اختلافات ترتبط بالتشكيك والتخوين وأحيانا عدة بالسلاح!