تقدر ثروة الرئيس الأميركي باراك أوباما بـ 3.8 ملايين دولار، وقد تصل إلى 16 مليون دولار، بحسب ما هو وارد في إقرارات الذمة المالية للرئيس، وزوجته ميشال أوباما. على الطريقة العربية لنا أن نتساءل من أين لك هذا؟

Ad

ليس المبلغ يسيرا بالنسبة إلى رجل منحدر من أسرة أميركية متوسطة الحال، ولكن الثابت في الوقت ذاته "نظافة" يد الرئيس، فهو لم يختلس من أموال دافعي الضرائب، ولم يُقحم نفسه شريكا في مشاريع استثمارية مشبوهة، أو يستولي على أراضي الدولة، وبيعها لاحقا كيفما شاء، لم يكن أوباما شريكا في أي من مشاريع "العفن" السياسي، والاقتصادي الذي تعج به الأوطان العربية.

إذن فإن معظم ثروة أوباما تأتي من مبيعات كتابيه "جرأة الأمل"، و"أحلام من أبي- قصة العرق والإرث". تصنع الثقافة فعلها في مجتمع قارئ، ورجل اتخذ الثقافة والعلم طريقا إلى صنع ذاته، ليست كلية الحقوق وحدها ما صنع شخصية أوباما، وأطلق نبرته الخطابية، وبديهته الحاضرة، فهناك كثر من المحامين لا يستطيعون التأثير في نفر قليل، اضافة الى أمة كاملة مثل الولايات المتحدة.

امتلك أوباما سحر الثقافة، وبلاغة تأسر مستمعيه، وهنا يظهر مزيج من القراءات المتنوعة التي أدمنها منذ طفولته، هو يعترف في أحد كتابيه، بأنه لم يكن تلميذا متفوقا بالمعنى التقليدي المدرسي للتفوق، وإنما كانت له نزواته، وتطلعاته، ونظرته المختلفة، بمعنى أن التفوق هنا فعل انتقائي، وليس حتمية يُجبر عليها.

تبدو قصة حياة أوباما التي يعرفها كل من يمتلك تلفازا في منزله الآن لافتة ومختلفة، وهي اشبه بالأسطورة، لا مبالغة في ذلك، إذ يصعب أن تتكرر هذه القصة يوما. المهاجرون إلى أميركا كثر، ولكن ظروف ولادة أوباما ونشأته، وحياة أبويه، بل وشخصيته وتكوّن وجدانه، أمر لا نجده لدى آخرين. وهو السر الذي أدركه أوباما جيدا، وارتكز عليه في تأليف كتبه التي جاءت في قائمة الأعلى مبيعا، بل إن "الظروف" ساعدت أوباما حتى في انتقاء اسمه الذي بدا غريبا لكثير من الأميركيين، وأوباما يذكر ذلك في كتابه "جرأة الأمل" فالناس يسألونه حين ترشح لأول مرة عن مجلس ولاية إلينوي: "من أين جئت بهذا الاسم الغريب"، لاحظ السؤال ليس عن البرنامج الانتحابي! ويسألونه كذلك: "يبدو أنك رجل نظيف وصالح، لماذا تريد دخول هذا المعترك القذر – السياسة" والسؤال الأخير، يصدر عن متتبّع يمتلك الفراسة الكافية، أو هو إنسان بسيط ملّ أكاذيب الساسة، ويبحث عن نقاء السريرة، ونظافة الوجدان.

يدرك أوباما جيدا كيف يدغدغ أحلام البسطاء، ويقترب من عامة الناس، لذا فإن الداعم الأساسي لحملته الانتخابية لم يكن ينبع من رؤوس الأموال، أو أصحاب الشركات الكبرى، بل شباب بسطاء لا يتعدى مساهمة أحدهم أو إحداهن بضعة دولارات، وبالرغم من ذلك شكلت هذه الدولارات ثروة تفوق كثيرا ما كان يحصده منافسوه السياسيون. لم يكن ترشحه لمجلس ولاية إلينوي سوى البداية، وبعد ذلك يأتي الصعود السريع نحو القمة.

اللافت أن بيانات الذمة المالية التي تناولتها وكالات الأنباء أن ثروة نائب الرئيس جو بايدن لم تصل إلى مليون دولار، وهنا يظهر جليا الفارق الثقافي بين الرجلين "الرئيس ونائبه"، فللكتب منافعها أحياناً.