ختمت مداخلتي في الجلسة الحوارية "معرض الكتاب في الميزان" التي أقيمت في جمعية الخريجين الأسبوع الماضي بجملة: "كنا نسير بشكل جيد لكننا انحرفنا عن الطريق الصحيح"، وبعد نهاية الجلسة سألني أحد الحضور: هل كنت تقصد حال الثقافة والأدب فقط أم هي حالة عامة؟ وجوابي له باختصار: "هو مشهد كامل لأن مشروعنا النهضوي لم يكن قائماً على قطاع بعينه، ولعل مناقشة قطاع واحد فقط يلخص حجم التراجع الذي نعيشه، وقد اخترت جامعة الكويت كونها أبرز عناوين نهضة الكويت الشاملة".
عاشت الجامعة عصرين: أحدهما عاصره الجيل المحظوظ والجيل الثاني الذي تورط فيه جيل "المقاريد" الذي عاصرته شخصياً، العصر الأول فيه الكثير من الإجابات السهلة للأسئلة المعقدة التي نطرحها اليوم لكيفية النهوض بالجامعة من ناحية مستواها العلمي ووظيفتها في المجتمع.معادلة النجاح كانت بسيطة: وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وتمويل سخي، وجذب عقول العلم والاستنارة، والبعد عن التسييس، وبناء عليه لم يكن من المستغرب أن يكون أول رئيسين من جامعة الكويت من مصر الشقيقة لأن الكويت في ذلك الوقت لا تتوانى عن الاستعانة بما تحتاجه من الخبرات، ووضعها في مراكز القيادة العليا.داخل هذا المثال المصغر، وهو الجامعة مثال أصغر يلخص تميزها العلمي، وهو قسم الفلسفة، درة أقسام جامعة الكويت، نقول ذلك لأنه نجح في اجتذاب الفيلسوف العربي عبدالرحمن بدوي الذي أنتج عقله أكثر من مئة وخمسين إصداراً، والدكتور فؤاد زكريا أحد أعمدة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والدكتور زكي نجيب محفوظ صاحب الفضل في تفكيك أعقد المسائل الفلسفية وجعلها في مدار تفكير القارئ العادي، وأخيراً وليس آخرا تلميذ محفوظ، وهو الدكتور إمام عبدالفتاح إمام الذي برع في مجال الترجمة للفلسفة والعلوم الإنسانية.تلك النخبة من العلماء درّست أحمد الربعي الذي عاد من جديد كأستاذ فلسفة، وعلّمت تلميذ الفلسفة في الثمانينيات وأستاذها في التسعينيات عبدالله الجسمي والقائمة تطول وتطول.جيل "المقاريد" لحق على أول بدايات التراجع وانتعاش ظاهرة الدكتور "المضروب" الذي يحمل شهادة ولا يحمل علماً أو فكراً، وقبل التخرج بدأت أسمع عن الأستاذ الذي يشتري شهادة وصار علينا "أرسطو"، لحسن الحظ أنه في كل كلية قسم مميز وفي كل قسم لمحة من أستاذ "مجتهد"، ووفقت بأن تخصصي المساند هو علوم سياسية، إذ درست على أيدي نخبة ممن تلقوا العلم في أرقى الجامعات الغربية، منهم الأستاذ الذي بات صديقاً وهو عبدالله الشايجي (لا يغركم شكله فهو صاحب قلب أبيض)، والأستاذ الذي تحول إلى أخ كبير هو المرحوم أحمد البغدادي، والأستاذ حسن جوهر (نائب في البرلمان)، كما تعرفت بحكم نشاطي الطلابي والصحافي على كل من غانم النجار وفلاح المديرس وشملان العيسى ومعصومة المبارك وحامد العبدالله وندمت على أن تخصصي المساند لم يسعفني للدراسة لديهم، أو لا أدري ربما رحمني الله منهم، ولكن علاقتي مع جلهم متواصلة أو متوقفة عند حد الذكريات الجميلة التي لا تنسى مثل عشقي وحامد العبدالله لكنافة الطيباوي التي تجمع تحت مظلتها كل بروليتاريا بني نفط.في الختام لو لم نكن نعرف الطريق الصحيح لعذرتهم، ولكن يبدو أن انحرافنا متعمد.
مقالات
الأغلبية الصامتة: نهضتي انحرفت
27-10-2011