أرفع القبعة احتراماً لـ حدس
بداية وقبل أن أسترسل في كتابة هذه المقالة... يجب أن أقف وأرفع القبعة -في النسخة العربية "العقال"- إعجاباً وانبهاراً بـ"حدس" وكوادرها... وأن أتبع ذلك بتصفيق على أسلوب إدارة الإخوان المسلمين للمشهد السياسي في الكويت منذ إعلان نتائج انتخابات 2009، وسقوطهم المدوي فيها حتى صباح الجمعة الماضي وإعلان نتائج 2012 وفوزهم الكبير بها مع بقية التيارات الدينية والقبلية-الدينية والتكتل الشعبي، الذي يستحقون أن نهنئهم عليه، ونقر لهم أيضاً بحق إدارة شؤون البلد في السنوات الأربع المقبلة. انتخابات مجلس الأمة 2012 تكتنفها تفاصيل كثيرة، وأحداث تستحق الشرح والتحليل، ولكنني لست بصدد ذلك، بل إنني مجذوب لعامل وعنصر أساسي ذي صلة بتحركات وخطط نفذت منذ سنوات ليخرج المشهد الذي نراه اليوم على ما هو عليه، فعندما انهزم الحدسيون في انتخابات مجلس 2009 رصدوا، وراقبوا، وقرروا خطواتهم التالية لاستعادة مجد زائل، فكان التحرك ذا محورين؛ الأول: الانتقام من سمو الشيخ ناصر المحمد وإسقاطه بعد واقعة مشروع "الداو كيميكال"، وما سببه ذلك لهم من جروح عميقة، في حين كان المحور الثاني: عودة إمساكهم بزمام قيادة الشارع. ولتحقيق ذلك أنشئت كتلة التنمية والإصلاح في البرلمان، وفي ما بعد تجمع السور الخامس ونهج خارجه من كوادر الحركة من "الائتلافية" وغيرهم، لحشد وتوجيه القوى السياسية، وليتمكنوا من قيادة الشارع وجدوا عدة قضايا يمكن طرحها جملة أو فرادى، ولكن أهمها كان الوتر المذهبي الطائفي، فـ"حدس" التي خسرت تعاطف الشارع بسبب مواقفها من قضايا معالجة مشاكل القروض وزيادة الرواتب وقرارات الإسكان وغيرها من القضايا الشعبية، لم يكن لديها بديل لكسبه مرة أخرى سوى البعد الديني المذهبي الذي يفعل الأعاجيب في شعوب العالم الثالث، أو تأدباً الدول النامية، خاصة في ظل الظروف الإقليمية الحالية، لذلك كانت هناك تلميحات دائمة ومستمرة بعلاقة ناصر المحمد برجال الأعمال الشيعة، واستفزاز السنة بتذكيرهم الدائم بتنامي مقاعد الطائفة الشيعية إلى تسعة في مجلس الأمة، وهو ما ترجم إلى معركة انتخابية طائفية بامتياز في 2012 في الدوائر الأولى والثانية والثالثة، كان المستفيد الأول منها الحدسيين والتيار الديني من مناصريهم. ولكن المشهد المبهر الذي يظهر حنكة ودهاء الإخوان المسلمين (حدس) هو كيفية جرّهم تدريجياً للتيار الوطني أو المدني، لينهي بيديه مجلس 2009 الذي حقق فيه تمثيلاً جيداً، وظهوراً أولياً للمرأة في الحياة البرلمانية عبر الانتخابات. لقد أدرك مخططو حدس أن هناك ترتيبات وتغييرات يتطلع لها أطراف من ذلك التيار، فتم استدراجهم حتى حلوا لاعبين على مسرح حدس في ديوان الحربش وعدة مواقع أخرى في ساحة الصفاة وساحة الإرادة حتى لفوا الحبل حول مجلسهم وخنقوه، بينما كانت طبخة الإخوان التي التحق بها "الشعبي" وأطراف أخرى، كل لغرض ما في نفسه قد نضجت بالتعبئة ضد الحكومة، والتحفيز الطائفي الذي أشعلته أحداث المنطقة من حولنا في البحرين وغيرها، قد حان وقت تقديم الوجبة بأيادي الليبراليين الذين قرروا زيادة إشعال نيران إنضاجها بطلقاتهم الخمس المدوية التي أنهت البرلمان الذي يتمتعون فيه بتمثيل غير مسبوق في العقدين الماضيين!! في موقف لا ينم إلا عن سوء تقدير كبير ومؤسف... لذلك ولتفاصيل أخرى كثيرة وتكتيكات مبتكرة استخدمتها حدس منذ عامين ونصف ونتائج انتخابات 2012 يحق لنا أن نهنئ الحدسيين ونرفع لهم اليوم القبعة والعقال! *** فوز عدد من المرشحين في الدائرتين الرابعة والخامسة من خارج الانتخابات الفرعية ينم عن تطور كبير سيشهده الأداء السياسي والوعي الانتخابي للدوائر التي تشكل القبائل أغلبيتها... وهو ما سيعني إمكانية تمثيل شرائح مختلفة من ناخبي تلك الدوائر قريباً، وربما في الانتخابات المقبلة. *** لا يمكن لأي حكومة مقبلة في ظل نتائج الانتخابات أن تعمر دون أن يكون فيها على الأقل ستة وزراء من الإخوان المسلمين (حدس) والسلف والقبائل والتكتل الشعبي... لذا أتوقع أن تشهد الدولة المدنية الكويتية تغييرات خطيرة ومفصلية عبر تشريعات تقربها كثيراً من الدولة الدينية المتزمتة التي سندفع ثمناً باهظاً لها على مدى سنوات طويلة مقبلة.