إن هناك ضرورة قصوى إلى عقد مؤتمر وطني عام لإصلاح التعليم العالي بكل مستوياته وأجهزته على أن تساهم في التحضير له وتنظيمه جمعيات وروابط الأساتذة والباحثين والطلبة، بالإضافة إلى المختصين والمهتمين، وتكون توصياته عملية وواقعية ولها إطار زمني محدد، وملزمة للحكومة أيضا.

Ad

المقصود بالتعليم العالي هو التعليم ما بعد المرحلة الثانوية، الذي تقدمه المعاهد والجامعات المحلية والخارجية لطلبتنا في الداخل والخارج، والذي ينتظم فيه حاليا عدد قد يتجاوز المئة والعشرين ألف طالب وطالبة، أي بحدود 10% أو أكثر من مجموع عدد المواطنين، فإلى أين يتجه التعليم العالي الذي يمثل الاستثمار الحقيقي على المدى الطويل؟

مما لا شك فيه، ولا ريب أن هناك جهودا وطنية مخلصة تبذل من العاملين كافة في مؤسسات التعليم العالي وأجهزته الفنية، لكن الأمر يتطلب تخطيطا استراتيجيا على مستوى الدولة يأخذ في الاعتبار الاحتياجات الحقيقية للتنمية المستدامة، وكيفية استثمار القوى البشرية واستخدامها الاستخدام الأمثل، وهذا يتطلب تقييما مستمرا للأداء المؤسسي لكل أجهزة ومؤسسات التعليم العالي من أجل إصلاحها وإعادة هيكلتها لكي تكون قادرة على إدارة ثروتنا البشرية بكفاءة مرتفعة وفعالية عالية.

صحيح أن الإصلاح الشامل للتعليم بمراحله كافة لن يتحقق ما لم يسبقه إصلاح سياسي جذري يكون جزءاً من مشروع متكامل وواضح للمستقبل، بحيث يكون التعليم وتطوير الموارد البشرية هما رافعته الأساسية، لكن عدم تحقق ذلك بالكامل لا يمنع من القيام ببعض الخطوات الأولية التي قد تصلح من الوضع الحالي للتعليم العالي الذي يعاني الكثير من المشاكل الإدارية والفنية والأكاديمية.

فهناك، مثالاً لا حصراً، تشابك في اختصاصات بعض مؤسسات التعليم العالي، وهناك مشاكل في القبول والابتعاث، وهناك أيضا حلقة مفقودة بين مخرجات مؤسسات التعليم العالي والاحتياجات الفعلية للتنمية.

أضف إلى ذلك أن هناك الكثير من المعوقات والعراقيل والمشاكل البيروقراطية التي تواجه مؤسسات التعليم العالي وأجهزته الفنية وتحرفها عن تحقيق أهدافها الحقيقية، والتي تحتاج إلى تشخيص صحيح لمعرفة أسبابها الحقيقية وكيفية علاجها، وهو الأمر الذي يجعلنا بحاجة ماسة إلى القيام بعملية تقييم موضوعي وشامل لكل ما يتعلق بالتعليم العالي؛ لأن الاستثمار البشري هو وحده الاستثمار الحقيقي الدائم لأن الإنسان هو الهدف النهائي للتنمية، ومحورها الأساسي.

من هذا المنطلق فإن هناك ضرورة قصوى إلى عقد مؤتمر وطني عام لإصلاح التعليم العالي بكل مستوياته وأجهزته على أن تساهم في التحضير له وتنظيمه جمعيات وروابط الأساتذة والباحثين والطلبة، بالإضافة إلى المختصين والمهتمين، وتكون توصياته عملية وواقعية ولها إطار زمني محدد، وملزمة للحكومة أيضا حتى لا يكون مصيرها مثل مصير توصيات مؤتمرات إصلاح التعليم العام التي عقدت قبل عدة سنوات، وصرف عليها ما صرف من المال العام، ثم انتهت إلى الحفظ في الإدراج وعلى الأرفف!