الفاجومي... أحمد فؤاد نجم الأسطورة

نشر في 10-06-2011
آخر تحديث 10-06-2011 | 00:01
No Image Caption
 محمد بدر الدين أحمد فؤاد نجم كإنسان وفنان ومناضل صاحب حياة حافلة بل مدهشة واستثنائية. عن هذه الحياة والعصر الذي عاشه ومعاناته، تقدّم السينما المصرية «الفاجومي»، فيلم روائي طويل، تأليف عصام الشماع وإخراجه، عن مذكرات نجم التي تحمل العنوان نفسه، وهو وصف اكتشفه الأخير بنفسه ولنفسه ويعني، تقريباً، إبن البلد «الجدع» الجريء الذي لا يخشى في الحقّ لومة لائم، لا يداهن أو يوائم، تصل الجرأة لديه إلى حدّ الاجتراء، وقد تبلغ الصراحة الوقاحة في وجه من يسبّبون المآسي للإنسان البسيط الكادح الذي كرّس له نجم حياته وإبداعه.

نجم ليس شاعراً عادياً، فهو شاعر عامية من النوابغ وشاعر مناضل، عانى من السجن مراراً وفي أكثر من عهد، دفاعاً عما يراه حقاً وعدلاً له ولسائر مواطني شعبه.

جسّد الممثّل خالد الصاوي شخصية أحمد فؤاد نجم، والممثّل صلاح عبد الله شخصية الشيخ إمام عيسى، رفيق دربه الإبداعي والوطني، ومع أنهما بعيدان عن الشخصيتين في الحقيقة من ناحية الملمح الخارجي، إلا أنهما اجتهدا ما وسعت الطاقة، ليصلا إلى جوهر الشخصية وعمقها ويلامسا الروح والملامح الداخلية.

إلى جانبهما، برعت جيهان فاضل في دور جارة نجم وإمام في الحارة القاهرية «حوش قدم»، وكندة علوش في دور الكاتبة صافي ناز كاظم وفرح يوسف في دور المطربة عزة بلبع، وقد تميّزتا بمواقف وطنية معارضة ودفعتا ثمناً غالياً نتيجة ذلك، وكان أن تزوّجهما نجم في مرحلتين من حياته.

منذ المشاهد الأولى، يؤكّد الفيلم طبيعة بطله كإنسان كادح و{صعلوك» من الطراز الأسطوري، يعشق الشعر والحياة والحرية والجمال والمرأة، ونرى قصة مبكرة في حياته، إذ يورّطه شخص في تزوير أوراق يقضي بسببها مدة في السجن، لكن ينجذب الجميع، سواء في السجن أو بعد خروجه منه، إلى شخصيّته المتدفّقة بالحيوية وسرعة البديهة والانطلاق الجميل في قول الشعر في هوى الوطن والحياة والحرية والمرأة.

يرصد الفيلم تطوّر وعي نجم السياسي، الذي بدأ بالتشكّل في النصف الثاني من الستينيات الماضية التي شهدت مداً وانتصارات، ثم انتكاسة وهزيمة عسكرية في يونيو1967. يبدو نجم في تلك المرحلة مصدوماً، تحفل أشعاره بالنقد اللاذع والقدح، وربما لم ينتبه بما يكفي، بحكم مدى وعيه آنذاك، إلى قيمة حرب الاستنزاف (1967 ـ 1970) والصمود العظيم والمقاومة الوطنية الكبرى للشعب والجيش خلالها.

لكن ذروة نجم كمبدع للكلمة الشعرية وكوعي سياسي ثوري في آن، تتحقق في فترة حكم السادات في سبعينيات القرن الماضي ومثّل فيها الثنائي، نجم شاعراً وإمام ملحناً ومغنياً، قطعة حية من ضمير مصر، وتعبيراً إبداعياً عبقرياً عن شبابها وشعبها والمعادل الشعري الجمالي ـ النضالي في آن، لملحمة كفاح المصريين ضد إهدار السلطة السياسية لدم شهداء حرب رمضان ـ أكتوبر، واستشراء من أطلق عليهم آنذاك «القطط السمان» بسبب انحرافات سياسة الانفتاح الاقتصادي منذ عام 1974 (صاروا في ما بعد، خصوصاً في عهد مبارك، الحيتان أو الديناصورات التي تمصّ دم الشعب ليل نهار)، حتى انفجر الشعب في انتفاضته الكبرى في 18 و19 يناير 1977، التي غنى لها نجم وإمام وأبدعا كما لم يبدع أحد، لذلك تصلح أغنيته «بشاير يناير»، بشكل طبيعي، لأن يُختم بها الفيلم... إذ قامت ثورة الشعب المصري الكبرى في يناير أيضاً 2011، ولم يكن الفيلم قد أصبح جاهزاً للعرض بعد، إنما كان مشروعاً سينمائياً تبلور قبل 25 يناير، وجاءت نهايته في ميدان التحرير خلال الثورة، حيث وقف نجم الشيخ الهرم بين أولاده وأحفاده وباقي الثوار ممتناً وسعيداً بالثورة الشعبية التي حلم بها طويلاً وتنبأ بها من دون أن يتردّد لحظة إزاءها أو يرتاب.

مصادفة أن يُعرض «الفاجومي» بعد ثورة 25 يناير، بل أن يكون أول فيلم يُعرض بعد أربعة أشهر من اندلاعها، وهذه المصادفة في صالحه، ذلك أن مزاج المشاهدين في مصر اليوم أقرب إلى هذا الطراز من الأعمال الفنية الوطنية الجادة.

ثمة عناصر كثيرة في الفيلم تدعو إلى مزيد من التأمل. 

back to top