إن الثورة تهدف وتؤدي إلى إحداث تغيير مفاجئ وسريع في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، كما يكون لها تأثيرات في المحيط الإقليمي والدولي، ويقوم بالثورة أفراد أو جماعات خارج سلطة الحكم، بينما الانقلاب يهدف إلى الوثوب على السلطة والاستئثار بالحكم للحصول على مكاسب ذاتية.

Ad

في مثل هذا اليوم منذ 59 عاما قامت مجموعة من ضباط الجيش المصري، أطلقت على نفسها "الضباط الأحرار"، بالإطاحة بالملك فاروق حاكم مصر آنذاك، وإلغاء الملكية وإقامة نظام جمهوري، ومنذ ذلك التاريخ إلى الآن والخلاف والنقاش محتدم بين الكتاب والسياسيين والمفكرين: هل ما قام به هؤلاء ثورة أم انقلاب؟

يرى البعض أن الادعاء بأنها ثورة تمييز وتعظيم لها لا تستحقه، بينما يرى آخرون أن وصفها بالانقلاب تصغير وتحقير من شأنها لا يقبلونه، كما يعتقد من يؤمن بالفكر الناصري أنها ثورة وبامتياز، ويعمد المخالفون الذين يرفضون التجربة الناصرية– فكرا وفعلا- إلى التذكير دائما بأن ما حدث ليس أكثر من انقلاب، بينما يطلقون على ما حدث في مايو 1971 ثورة!

وباعتباري طبيبا معالجا أتعامل مع المرضى الحقيقيين وليس مع الأبحاث الأكاديمية والتعريفات النظرية، فما يشغلني هو "التطبيق الإكلينيكي" أو الفعلي لهذه الأبحاث، ومدى استفادة المريض منها، فالتشخيص والعلاج للمرض أهم كثيرا وأكثر فائدة للمريض من التصنيف البحثي والأكاديمي رغم الإيمان بأهميته ووجوب احترامه.

تعريفات كثيرة بعضها قديم وبعضها حديث، تتداخل أحيانا مع بعضها، وتختلف أحيانا أخرى، وكلها تدور في فلك وصف وتعريف الثورة والانقلاب، ولكن أهم المعايير التي تحدد الوصف الصحيح هو مدى تأثير الحدث (الانقلاب- الثورة) في المجتمع، وقيمة ما يحدثه من أفعال وردود أفعال في الوسط المحيط به، وهو باختصار ما يمكن أن نطلق عليه "التطبيق العملي والواقعي للحدث ذاته".

القضية ليست مسميات ولكنها أهداف وتأثيرات، وإن كان لفظ الثورة يستخدم دائما كمصطلح إيجابي بالنسبة إلى العلوم والتكنولوجيا كثورة المعلومات إلا أنه ليس له تلك الإيجابية في السياسة، فقد تحدث ثورة ما أثرا سلبيا مقارنة بما يحدثه تأثير إيجابي لانقلاب ما في ظروف ذات طبيعة خاصة.

وعودة إلى الفرق بين الانقلاب والثورة (مع الإجمال والتبسيط) نجد أن الثورة تهدف وتؤدي إلى إحداث تغيير مفاجئ وسريع في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، كما يكون لها تأثيرات في المحيط الإقليمي والدولي، ويقوم بالثورة أفراد أو جماعات خارج سلطة الحكم، بينما الانقلاب يهدف إلى الوثوب على السلطة والاستئثار بالحكم للحصول على مكاسب ذاتية سواء كان مصحوبا أو غير مصحوب بإحداث تغييرات في المجتمع، ويقوم به فرد أو جزء من السلطة الحاكمة ذاتها، يسعى إلى الانفراد بالحكم دون مشاركة من أحد.

وبنظرة سريعة إلى ما تم في 1952 من حيث من قاموا به وعلاقتهم بالسلطة ومدى التغيير الذي حدث في الداخل والخارج والتأثير في المحيط الإقليمي والدولي يمكن ببساطة شديدة معرفة هل ما تم انقلاب أم ثورة؟ وللقارئ تحديد الإجابة... وكل عام وأنتم بخير

***

" فزورة": يصر المجلس العسكري على استمرار المحاكمات العسكرية لغير العسكريين ممن يحمل سلاحا أبيض ويروع الناس (بلطجي)، وفي ذات الوقت مازال يرفض تماما محاكمة الرئيس المخلوع عسكريا بالرغم من أنه فرد عسكري، وكان "مؤسسة بلطجة" في ذاتها، وحمل السلاح الأبيض و"الأسود" وروع ملايين المواطنين، وأهدر كرامتهم، فلماذا يصر المجلس العسكري على ذلك؟