«عناق عند جسر بروكلين» هي الرواية الأولى التي أقرأها للكاتب عز الدين فشير، وإن كانت هي الرواية الخامسة في إنتاجه الروائي.
روايته تشابهت في طرحها لموضوع الاغتراب مع رواية ميرال الطحاوي «بروكلين هايتس» كما تشابكت معها في العنوان، لكن رواية «عز الدين شكري فشير» صاحب الاسم الطويل والعنوان الطويل أيضاً تناولت في طرحها شريحة لشخصيات متعددة مثل أستاذ جامعي، ومحامٍ، ومحاسب، وموظف في الأمم المتحدة، وطبيب، ومترجم، وطالبة، وشخصيات مصاحبة لهم، كلها رُصدت لتبيان حالة وجع الاغتراب مما أعطى الرواية اتساعاً أكبر في رؤية أبعاد الحالات النفسية لأبطال الرواية. الرواية اعتمدت على تقنية سينمائية منتشرة في الأفلام التي تعالج موضوعات الكوارث أو أفلام الأكشن التي تلاحق حدثاً فجائعياً سوف يحدث في نهاية الأمر، ومن ثمة تبدأ بمتابعة كل شخصية وحالتها قبل وقوع الحدث. وتفتتح الرواية بمشهد الجد درويش المدرس لمادة تاريخ العرب في الجامعة، يتابع الاستعدادات للاحتفال بعيد ميلاد حفيدته سلمى الـ21، التي دعاها لحضورها من القاهرة إلى نيويورك، لأجل هذا الحفل الذي دعي له كل من له علاقة بها. وفي كل مشهد جديد يتناول شخصية من شخصيات الرواية ويرسم أبعادها النفسية والروحية والعقلية، وكلٌّ من هذه الشخصيات هي مرآة للأخرى، فهي تضيء بطريقة ما الجزء المخفي أو المختلف مع ما تراه وما تحكم عليه الشخصية الأخرى مما يمنح القارئ في النهاية إلمامة وإطلالة على حياتهم واختلافاتهم وخلافاتهم وانعكاس هذا الاغتراب وتأثيره على مجرى حياة المهجر التي أثرت عليهم وعلى أفكارهم وتصادمهم بحضارات مختلفة عنهم. الرواية سجلت وفضحت كوامن الاغتراب الذي يغوص في وحل أوجاعه هؤلاء المهاجرون المغتربون عن أوطانهم وعاداتهم وتقاليدهم واختلاف عقائدهم. رواية كُتبت بلغة سهلة استطاعت كشف منطق وروح كل شخصية وطبيعة تفكيرها وتحليلها لواقعها، وهذا الكشف رفع وعمّق معرفةَ الحالة النفسية لكل منها. ربما يكون أجمل ما في الرواية هو رصدها وتحليلها لمواقف ومواضيع في الحياة بشكل حيادي، مثل تفسيرات البروفيسور درويش وانتقاده للناس والحياة في مصر، ونقله لوجهة نظر شريكته «جين» في المواضيع ذاتها، فهو يرى أن العرب ليسوا طائفة شاذة من البشر، وقواعد الأخلاق العامة تنطبق عليهم مثل غيرهم، أما القول بغير ذلك فهو نوع من التعالي المتنكر في شكل تعاطف، أن تقبل الكذب من العرب وترفضه من غيرهم معناه أنك ترى فيهم نقيصة أساسية تُبيح لهم ما يُحرم على الناس الطبيعيين، كأنهم يحملون شهادة جنون، فالصواب والخطأ بيّنان، لا يخلط بينهما إلا شخص تعود على سوء الأخلاق. ردت: بأن ما يصفه بسوء أخلاق المصريين ما هو إلا نمط آخر من الأخلاق له جماله الخاص. يحاسب نفسه الآن: أيكون قد اقترف الخطيئة التي يعظ ضدها كل يوم؟ هو الذي يعلم الشباب كيف يراجعون مسلماتهم ويشكون فيما تعلموه ويبدأون من جديد، متى راجع مسلماته؟ متى وضع نفسه محلاً للشك أو للتساؤل؟ الرواية ليست لها هذه التعقيدات السحرية للأعمال الروائية، ولكن قيمتها تنبع من طرحها ومناقشتها ومراجعتها ونفضها لواقع ومسلمات وأفكار ثابتة بشكل يعيد التفكير فيها، خاصة في حوارات درويش والكثير غيرها، فمثلا جاء هذا الكلام على لسان شخصية ابن درويش يوسف الذي يرى أن التواضع ليس صفة متواضعة، بل هو صورة متقدمة من الغرور، التواضع يقتضي أن تكون في مكانة مرتفعة، وتهبط عمداً إلى مستوى من هم أدنى، كرم منك، لا أن تعتبر نفسك في هذا المستوى. كي تكون متواضعاً يجب أن تعتبر نفسك فوق مستوى الآخرين ابتداء. وأيضاً كما جاء على لسان لقمان: أنت تكبرين وتجدين نفسك تحت عجلات منظومة شديدة القسوة تهرس من تمر فوقه، وحين تهرسك أول مرة تصرخين من الألم، لكن عليك القيام والمشي، حتى لو على قدم واحدة، أترين كيف يستطيع الإنسان التأقلم مع أسوأ الظروف. هذه أول رواية أقرأها من روايات القائمة القصيرة للبوكر العربية ولا يمكن عقد مقارنة بينها وبين الروايات الأخرى في القائمة، فهل ستفوز بها؟
توابل
عناق عند جسر بروكلين
05-03-2012