ما لم يتنبَّه إليه الأشقاء المصريون ويأخذونه بعين الاعتبار هو أن الرئيس السابق حسني مبارك لم يفعل ما يفعله الآن بشار الأسد، وأنه عندما أحسَّ بأن رغبة شعبه, بصورة عامة, مع ألاَّ يبقى ومع أن يغادر موقعه اختار التنحي وفضَّل أن يكون ذهابه سلمياً، وألاّ يقحم مصر في أتون صراعٍ دموي قد يستمر لأعوام عدة ويخلَّفُ، ليس ألوفاً، بل ملايين القتلى والجرحى والمشردين.

Ad

كان بإمكان مبارك, وقد تأكد أنه أصبح "إمَّا قاتلاً أو مقتولاً", أن يقيل كل القيادة العسكرية الممثلة في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعلى رأسها المشير طنطاوي والفريق سامي عنان، فهو القائد الأعلى، وهو كان رئيس الجمهورية وكانت لا تزال لديه القدرة ,عندما كان الوضع لا يزال في البدايات, أن يتخلص ممن يشك بولائهم له ويختار غيرهم من الذين يعرفهم ومتأكد من أنهم من أقرب المقربين إليه.

لكنه لم يفعل هذا ولم يُقْدِمْ على هكذا خطوة مدمرة وفضل الانسحاب في اللحظة المناسبة، لأنه كان يعرف أن المزيد من تشبثه بموقعه سوف يكلف مصر ثمناً باهظاً، وأن لجوءه إلى الحلول الصعبة قد يؤدي إلى انقلاب عسكري دموي، وإلى اقتتال بين رفاق السلاح في القوات المسلحة ستكون نتائجه كارثية وسيؤدي حتماً إلى مئات الألوف من القتلى، إن لم يكن إلى الملايين من شعب تجاوز عدده الثمانين مليون نسمة.

لم يفعل بشار الأسد ما فعله حسني مبارك، وهو اختار التمسك بكرسيِّ الحكم رغم سقوط كل هذه الأعداد من الضحايا من أبناء شعبه، والواضح أنه مصرٌّ على "ركوب رأسه" حتى وإنْ غرقت سورية, التي يستحق الحفاظ على وحدتها ووحدة شعبها التضحية بسلطة تَنَعَّم بها هو وأبوه وأخواله وأعمامه لأكثر من أربعين عاماً, في حرب أهلية مدمرة، وحتى إن هي تمزقت وتحولت إلى دويلات طائفية عددها بعدد الطوائف السورية الكثيرة العدد والموزعة كبقع متناثرة على كل جغرافيا هذا البلد وعلى كل أجزائه.

كان على بشار الأسد أن يأخذ العبرة مما فعله حسني مبارك، فجنَّب مصر المحروسة مذابح قد تستمر لفترة طويلة، وكان عليه لاحقاً أن يأخذ العبرة مما حصل مع معمر القذافي الذي رفض الاعتراف بالواقع المستجد، فكانت نهايته تلك النهاية البائسة وكان مصيره ذلك المصير الأسود الذي لا مثيل له حتى بالنسبة لهتلر وموسيليني وكل طغاة التاريخ الذين أساءوا بأفعالهم الدنيئة، ليس لشعوبهم فقط، وإنما أيضاً للبشرية كلها.

هناك حديث نبوي شريف يقول: "الشقيُّ من اِتَّعظ بنفسه والسعيد من اِتَّعظ بغيره". ويقيناً أن بشار الأسد، إن هو بقي يصر على خيار ذبح شعبه ثمناً لبقائه في كرسيَّ الحكم، فإن نهايته ستكون أسوأ كثيراً من نهاية القذافي وأنه سيجر على أبناء طائفته، التي يتبرأ معظمها منه ومما يفعله، مصائب جرها طغاة كثيرون على أهلهم وعلى أقاربهم وعلى مؤيديهم، وهذا لم يفعله حسني مبارك الذي فضَّل الانسحاب في اللحظة المناسبة حتى لا يُقحم مصر في حمامات دمٍ وفي ويلات ومذابح كارثية.