مفردات جديدة ولغة ثابتة
اللغة العربية ليست كغيرها من اللغات الأخرى، فهي لغة تحظى بهالة دينية بحكم ارتباطها بالقرآن الكريم وبلاغة العرب، وبالرغم من لجوء الانسان العربي الى لغة دارجة يستطيع من خلالها اضافة ما يستجد من مصطلحات تقبلها اللهجة وترفضها الفصحى، رفضت اللغة العربية استيعاب الكثير من المفردات الأجنبية فاضطر الكاتب العربي الى استخدام الشرح أحيانا أو ادخال الكلمة بين مزدوجتين اشارة منه الى أن الكلمة دخيلة، وأنه يريد استخدامها اما لسبب سوسيولوجي أو لانتفاء البديل عنها. فاذا أردت مثلا أن تستخدم كلمات أجنبية في حوار سردي فليس سبب ذلك عدم وجود البديل العربي المحلي أو الفصيح وانما اشارة الى طبقة المتحدث الاجتماعية أو التعليمية. وهي ليست بدعة عربية فالروائي الروسي ديستويفسكي كان يستخدم عبارات كاملة من اللغة الفرنسية في حوارات أبطاله الذين ينتمون الى الطبقة المثقفة. في السنوات الأخيرة شهدت اللغة الدارجة سطوة اصبحت تتعلق بالانتماء المحلي والتشديد على القطرية في الخطاب المرسَل وكأن الاشارة الواضحة هنا هي الاستقلالية عن بقية المتحدثين باللغة الأم والانزواء تحت مظلة القطر. فتستمع الى نشرة أخبار باللهجة المصرية أو الكويتية تكاد تكون منفرة بالنسبة لك ولكنها تكرس لأبعد من ذلك. لم تنزلق القنوات الرسمية للدول الى هذا المنحدر ولكن اذا ما نجحت حركة الاعلام الخاص وانسحاب اعلام "استقبل" و"ودع" قد تبدو المسألة كارثية.
في الكويت كانت اللغة العربية الميسرة هي وسيلة الاتصال بين المرسل والمتلقي واستخدام بعض المفردات الدارجة للضرورة التى تشبه ضرورة الشاعر أو الروائي، الا أنه في السنوات الأخيرة بدأ حال اللغة يتغير وظهرت لغة خاصة أخذت من الاعلان التجاري طريقها الى المستهلك وكأنها الطريقة الوحيدة التى تجذب المستهلك للسلعة. وكان يمكن أن نعتبر الأمر شكلا جديدا من أشكال العمل التجاري وان استخدام اللغة كوسيلة وحيدة للتواصل بين التاجر والمستهلك هو نوع اعلاني جديد قد ينتهي بعد حين. الا أن المسألة تطورت في ما بعد لتشمل الأعمال الاذاعية والتلفزيونية والصحافية. وعلينا أن نفصل بين عدم تمكن اللغة العربية من استيعاب المصطلح الأجنبي وادخاله الى قاموسها العريض وبين الغاء العربية الفصحى انتقاما من هذا العجز. التحدي الأكبر الآن أمام اللغة العربية هو استيعاب مفردات التواصل الاجتماعي فكلمة "مغرد" مثلا التي استخدمت للدلالة على مستخدم التويتر في التعبير هي ترجمة حرفية للمعني اللغوي الانكليزي الأصلي وستصبح للكلمة دلالات اجتماعية تهكمية غير محببة بعد الاتهامات التى يلقاها مستخدمو التويتر أو "المغردون". واذا كنا نستطيع ايجاد معنى حرفي نركن اليه لأصل الكلمة فكيف نتعامل مع كلمات "غوغل" و"فيس بوك". فلغة كالانكليزية استطاعت استيعاب مفردات التواصل الاجتماعي بسرعة مذهلة وان لم تكن لها جذور في اللغة وأكثر من ذلك تم اشتقاق صفات وأفعال من كلمات مثل "غوغل" بدلا من فعل ابحث. العربية كلغة فصحى تواجه تحديا نراها تقف عاجزة أمامه ان لم تستطع ايجاد مفرداتها الخاصة أو الانفتاح أمام اللغات الأخرى كجزء من ضريبة العولمة التى نتعامل معها بالاستيعاب المادي والرفض اللغوي وهي حالة عربية بامتياز؟