هناك من قال واهماً إن رياح الربيع العربي قد انكفأت وانطفأت بعد بريقها التونسي والمصري فكادت تتجلط في ليبيا وسورية واليمن وربما غيرها.

Ad

مجريات الأحداث توحي بغير ذلك بل إلى ما هو أبعد من عالمنا العربي المنكوب، حيث انطلقت عجلة التغيير بسرعة تفوق سرعة الضوء لتحط آثارها في العالم الغربي.

ففي ظرف أسبوع واحد فقط لا غير مرت علينا أربعة أحداث هامة ومحورية.

الحدث الأول هو خطاب الرئيس أوباما الذي أكد فيه انسحاب القوات الأميركية نهائياً من العراق نهاية العام بعد فشل المفاوضات في هذا الصدد بسحب قواته نهائياً من العراق، إنه موضوع مؤثر ومتأثر بمعطيات التغيير في المنطقة، كما أن له تأثيرات مباشرة بالنسبة لنا هنا ولربما يحتاج مزيداً من الشرح لاحقاً، أما الحدث الثاني فهو رحيل القذافي وإعلان المجلس الوطني الانتقالي التحرير الكامل لليبيا، وبالتالي الانتهاء من مرحلة الثورة والبدء بمرحلة الدولة، وهي مرحلة لا تقل صعوبة عن مرحلة الثورة إن لم تكن أصعب، والحدث الثالث هو قرار مجلس الأمن حول اليمن بمطالبة صالح بالرحيل والتحاور مع المعارضة مع ضمان عدم ملاحقته قضائياً، وهي خطوة مؤسفة تدل على تردي القيم الإنسانية العامة لدى المجتمع الدولي، فلا يحق لأحد سواء أكان مجلس أمن أم غير ذلك أن يمنع اليمنيين من الملاحقة القضائية لرئيسهم السابق صالح، ومع ذلك فإن المعنى الواضح هو أن صالح قد بدأ يحزم حقائبه للمغادرة، على الأرجح، إلى سكن يتم تجهيزه في ولاية متشيغان الأميركية، أما الحدث الرابع وربما الأكثر أهمية في سياق عملية التغيير الديمقراطي والسلمي فهو البدء بعملية الانتخابات في تونس للمجلس التأسيسي الذي من المقرر أن يضع دستور الجمهورية التونسية التي أنجبتها الثورة.

هكذا هي الأشياء تسير على عجل، تخرج أميركا من العراق على الرغم من محاولتها البقاء، وتبدأ ليبيا منذ أمس الأحد مرحلة بناء قاسية، ويبدأ صالح في ترتيب حقائبه، ويبدأ التونسيون في تأسيس دستور عبر انتخابات نزيهة بلا ظل ولا يد ولا صورة لبن علي لا في الواقع ولا في الخيال.

أما نحن في هذا البلد الصغير الذي بدأ انتخاباته للمجلس التأسيسي الذي وضع دستوره عام 1962 بصيغة توافقية متقدمة على ذاك الزمان، فمازالت ذات الوجوه هي التي تدير شؤون البلاد والعباد، من فشل إلى فشل حتى كاد يصبح الفشل عنواناً، ثم يتقافزون أمامنا، يزعمون نزاهة مفقودة، وكفاءة منكودة، وقدرات محدودة، ومن أسف على الدنيا أنهم موجودون في الحكومة، كما أنهم موجودون في البرلمان. ويسعى بعضهم إلى تدمير الأساس الدستوري للبلاد بدلاً من تعزيزه والالتزام به. بينما لن يكون هناك سبيل للخروج من المأزق دون الالتزام بالدستور والعمل به فعلاً لا قولاً، وهو السبيل الوحيد لعبور موجة التغيير العارمة بأقل الخسائر الممكنة.