بالتوازي مع حالة التصعيد السياسي، هناك تصاعد ربما لا يقل أهمية متمثل في الإضرابات المطلبية. ولسنا هنا في وارد تحديد صحة أو خطأ تلك الإضرابات، فالإضراب حق مشروع بالمطلق، كفله الدستور وعززته المواثيق الدولية، ولكن لماذا زادت الإضرابات بشكل ملحوظ ومتواتر في الفترة الأخيرة، حتى بات مَن لم يكن يفكر في الأمر يبدأ بالتحرك وإعلان النوايا؟ بل إنه بلغ الأمر، كما أشرت سابقاً، إلى أن بعض المتقاعدين يفكرون في المسألة.

Ad

منطق المتقاعدين يقول حيث إن رواتبنا ستبقى كما هي إلى الأبد، وإن الحكومة على استعداد لتلبية مطالب أي فئة حالما تلوّح بالإضراب، فعلى المتقاعدين التفكير بوسيلة للضغط، وحيث إنهم لن يتمكنوا من استخدام الوسيلة التقليدية في الإضراب وهي الامتناع عن العمل، فهم لا يعملون أساساً، لذا فقد تكون الوسيلة هي تهديدهم بالعودة للعمل، ومن ثم يذهب كل متقاعد إلى مكتبه القديم ويحتله وربما يطرد الموظف الذي يشغل مكتبه، وربما تكون المسألة أسهل من ذلك بكثير، حيث من المحتمل جداً أن يكون ذلك الموظف غير مداوم في مكتبه أصلاً.

بصرف النظر عن الجانب الساخر من الموضوع، فإن زيادة الإضرابات تأتي في سياق الترهل العام للدولة ونمط الإدارة الكسول الذي شجع الإضرابات، بدلاً من التخفيف منها، ولربما كان الأسلوب الذي تمت به معالجة مطالب القطاع النفطي عاملاً مشجعاً لزيادة الإضرابات في كل مكان تقريباً. فالتصريحات الحكومية كانت متناقضة بشكل ملحوظ، وهو ليس بالأمر الجديد على أية حال... وكان لسان حال الحكومة يقول: "على كل مَن يريد زيادة أو كادراً أن يثبت قدرته على تنظيم إضرابٍ ما، أو على الأقل التلويح بالإضراب". بل إن ما زاد الطين بلة دخول فضيحة الإيداعات المليونية أو "نواب غيت" على الخط. فصمت الحكومة وارتباكها في التعامل مع حدثٍ بهذا الحجم أديا إلى خلق حالة نفسية عامة بين الناس بأنه مادامت هناك مبالغ يتم توزيعها بالملايين على النواب وكأن الحكومة صارت تتعامل مع النواب كجهة مانحة فلِمَ لا يتم تعميم هذا السلوك وبالتالي، كحد أدنى، إقرار الزيادات المطلبية التي تطالب بها النقابات؟.

لا أظن الحكومة في وارد أن تكون أكثر جدية، كما لا أظنها في وارد حسم موقفها من قضية "نواب غيت" وربما قضايا شبيهة أخرى، وما لم يتغير السلوك الحكومي، فإن الإضرابات إلى تزايد، وقد تتقاطع شيئاً فشيئاً مع التصعيد السياسي. حينها ستكون المسألة أكثر تعقيداً وقد ينتج عنها ما لا تحمد عقباه.