نعم... مازلت متفائلا
كان من المفترض كتابة هذا المقال ونشره الأسبوع الماضي بعد عودتي من مصر، ولكني آثرت الانتظار قليلا ومعاودة التفكير والتأمل للإجابة عن أكثر الأسئلة انتشارا وأشدها خلافا: ما رأيك الآن في الثورة بعد مرور أكثر من 7 أشهر؟ ولو حاولنا وضع اختيارات للإجابة لوجدنا أنها لا تخرج عن اختيارين: متفائل أو متشائم.وحقيقة لا أرى نفسي إلا متفائلا بما سيحدث ومقتنعا– ولست سعيدا - 100% بما حققته إلى الآن، وواثقا إن شاء الله من استمرار نجاحها وجني أبنائي والأجيال القادمة ثمرات هذا النجاح.
وبداية، فالتفاؤل لا يعني أن الأماني قد تحققت، ولا السعادة بما هو قائم، ولكن يعني أن القادم أفضل، وإن كان لكل شعور أسبابه ودوافعه فالسؤال يكون: لماذا أنا متفائل؟أولا: المسار التصاعدي للثورة، فمع كل زيارة إلى مصر والمعايشة الكاملة للواقع هناك يكون الوضع أفضل، فاليوم أفضل مما كان في مايو، ومايو كان أفضل من مارس، والأفضلية تكمن في التحسن التدريجي– وإن كان بطيئا- في ما يعرف بالانفلات الأمني، وكذلك في الإدراك الشعبي لطبيعة الثورة واحتياجها لوقت قبل جني ثمارها كاملة، فالشعب لم يعد يتعجل النتائج كما كان في بداية الثورة؛ معتقدا أن الوضع بأكمله سيتبدل بين ليلة وضحاها. ثانيا: الأحكام القضائية، وكما هو معروف هناك الكثير من قضايا الفساد والظلم والقتل تنظرها المحاكم المدنية، والشعب يترقب أحكامها بأمل وقلق، وكانت مقدمة الأحكام ما صدر بحق أحمد عز ورشيد محمد رشيد بحبسهما 10 و15 سنة على التوالي مما بعث شعورا بالأمل والتفاؤل والاطمئنان لدى الجميع بجدية المحاكمات، وأنها ليست صورية، وأن القصاص العادل قادم.ثالثا: شهادة عيان، شاركت يوم الجمعة 9/9 في تظاهرة ميدان التحرير وتوجهت إلى السفارة الإسرائيلية وسمعت الكثير من الحوارات والمناقشات بين الموجودين على اختلاف مذاهبهم وأيديولوجياتهم، وكلها تثبت أن الجميع أدرك حقه في حكم بلده، وأنهم لن يقبلوا بعد الآن نظاما فاسدا أو دكتاتوريا (هذه وحدها تبعث على التفاؤل)، وأن الشعب لن يفرط أبدا في مكتسباته الثورية.مشهد آخر: مشاركة المواطنين- إحساسا منهم بالمسؤولية وأهمية التعاون مع السلطة والجهاز الأمني- في حل الكثير من المشكلات، ومثال على ذلك: مشاركة شباب الأحياء (ميدان المطرية والنعام) في تنظيم حركة المرور في أوقات الذروة جنبا إلى جنب مع رجال المرور، والتفاهم الكامل بينهم، والأهم التزام المواطنين وسائقي السيارات بتوجيهات الشباب، وتجاوبهم معهم بحب وود.بالتأكيد سيعترض البعض مدعيا أنني أعطي صورة وردية مخالفة لما يشاهدونه في الفضائيات، ويتابعونه في الصحف، وأقول لهم بوضوح: نعم الصورة ليست وردية 100%، ولا أدعي ذلك، ومازالت هناك بعض الشوائب التي تعكر نقاء الصورة، ومنها الفكر الذي يحكم ويسيطر على سلوك بعض المواطنين ممن عاشوا حياتهم في ظل النظام السابق، ولا يستطيعون– للأسف- الخلاص من الأفكار السلبية التي زرعها النظام طوال 30 عاما من القهر والفساد، مثل: خليك في حالك؛ الاتكالية؛ الانهزامية؛ فقدان الأمل؛ اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش... إلخ.كل هذه الأفكار مازالت تسيطر على البعض، وهو ما يجعل الصورة مهزوزة، ويقلل من نسبة التفاؤل، بالإضافة إلى بعض التصرفات غير المفهومة من جانب المجلس العسكري والحكومة مثل التردد في اتخاذ القرارات وسرعة تغييرها، وإن كان أكثر ما يقلقني وينتقص من جمال الصورة ما يمكن أن نسميه بالانفلات الإعلامي السائد الآن في الكثير من الفضائيات والصحف الخاصة والحكومية، ومثال واحد لضيق المساحة كيف تحول إنزال العلم الإسرائيلي في المرة الأولى، وما يمثله من رمزية لقرار الشعب وثأره لكرامته (لقتل أبنائه على الحدود) إلى خلاف حول الشخص الذي قام به، وهل هو فلان أم علان؟ وأصر الإعلام على إشعال الفتنة وتبادل الاتهامات وتوارت رمزية الفعل وراء الخلاف حول شخصية الفاعل. وعلى الرغم من كل شيء أكررها وبصراحة شديدة: نعم مازلت متفائلا... وسنرى.