وقع النظام السوري أخيراً بروتوكول المراقبين، وطار الأمين العام للجامعة فرحاً، لكن لم تطل فرحته، فهذا النظام الذي وقّع بيد قتل 100 متظاهر باليد الأخرى! ما قيمة توقيع فقد مصداقيته قبل أن يجف حبره؟! الجامعة وبعد سلسلة من المراوغات والألاعيب والمماطلات من قبل النظام السوري قررت أن توجه له إنذاراً أخيراً: التوقيع أو مجلس الأمن.

Ad

ودخل الحليف الروسي على الخط، وخضع النظام ووقع بشروطه كما ادعى وليته التزم به، إذ لم تمر 48 ساعة حتى ارتكب مجزرة حصدت 250 متظاهراً مما دفع الشعب السوري إلى اتهام الجامعة بأنها شريكة فيما حصل، وحمل المتظاهرون شعار جمعة "الجامعة العربية تقتلنا".

وفي حين دعا المجلس الوطني السوري إلى تحرك دولي عاجل لوقف المجازر محملاً الجامعة مسؤولية وقوعها رأت باريس في توقيع المبادرة، مناورة لكسب الوقت، وتساءل وزير خارجية فرنسا آلان جوبيه: كم من الضحايا يجب أن يسقطوا حتى يدرك العالم أن على الأسد أن يرحل؟!

وأما أمين سر الجيش السوري الحر عمار الواوي فقد رأى في التوقيع ترخيصاً لمزيد من القتل، وحمل بشدة على الأمين العام قائلاً: "إن العربي يعلم أن النظام مراوغ ويلعب من أجل الوقت وهويعطيه المهل"، وأضاف: لقد صرح المعلم بأن العربي اتصل به أكثر من مرة يرجوه توقيع البروتوكول كما صرح بأنه سيغرق المراقبين في تفاصيل البروتوكول فعليهم تعلم السباحة".

احتجاجات الشعب السوري في شهرها العاشر والقتل يتصاعد بمشهد ومرأى من مراقبي الجامعة، والضحايا تجاوزوا الـ7 آلاف غير عشرات الألوف من الجرحى، ومئة ألف معتقل بحسب تقارير "هيومان رايتس ووتش" التي طالبت بإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتبار عمليات القتل التي يقوم بها النظام ترقى إلى "جرائم ضد الإنسانية".

وفي الوقت الذي يجمع فيه المراقبون على أن النظام السوري لا يحفظ عهداً ولا يلتزم اتفاقاً ولا يحترم توقيعاً، وأن النظام ما وافق على التوقيع إلا بضغط روسي وبهدف منع التدويل وكسب مهلة جديدة، شهر قابل للتجديد، لتصفية الثورة السورية، فإن "العربي" مازال يأمل في أن يزوده مراقبوه وخلال أسبوع بما إذا كانت سورية ملتزمه بالاتفاق أم لا؟!

عجباً: هل يحتاج المراقبون إلى أسبوع ليقرروا مدى التزام سورية بالمبادرة العربية التي تنص على سحب جميع المظاهر المسلحة من المدن، والأماكن السكنية، والإفراج عن المعتقلين، والسماح بدخول وسائل الإعلام العربية والعالمية، وعدم تعرض الشبيحة للمتظاهرين؟!

ألا يعلم الأمين العام حقيقة ما يجري في سورية، وقد صكت أهوال ومآسي المجازر أسماع العالم وعرفها الداني والقاصي؟! هل يحتاج الأمين العالم إلى من يخبره بحقيقة الأوضاع السورية والفضائيات تنقل عمليات القتل والقنص بالصوت والصورة؟! ترى أين يعيش الأمين العام، هل يعيش في المريخ؟!

إنه لأمر يثير السخرية والضحك معاً أن يكون همّ الأمين العام مراقبة القتل لا العمل على وقفه! ما قيمة التوقيع والمراقبة وبقية التفاصيل إذا كانت أعمال القتل مستمرة بضراوة أشد؟! لقد كانت المهمة الأساسية للمبادرة العربية "حماية المدنيين ووقف إراقة الدماء" وتحولت اليوم بعد 7 أسابيع من الرسائل المتبادلة بين دمشق والقاهرة والدوحة إلى معركة جدلية مع سورية في تفاصيل عمل المراقبين!

سيغرق المراقبون البائسون في مستنقع كبير من ألاعيب النظام وحيله التي لا تنتهي حول طبيعة المواقع التي سيزورونها، وماذا سيراقبون؟ وأين يراقبون؟ ومن الذي يقتل؟ وما هويته؟! الأمر الذي يذكرنا بنفس الصراع الذي دار حول زيارة مراقبي الأمم المتحدة إلى المواقع العراقية أيام صدام.

هكذا نجحت سورية في استدراج الجامعة إلى لعبتها كما استدرج المعلم من قبل العربي إلى شرح معنى الشبيحة في نظام يقوم على الشبيحة! وحتى نوفر على الأمين العام جهده وطول انتظاره نقول له مسبقاً: إن سورية لن تلتزم بالمبادرة إلا كشكل مفرغ من المضامين.

وعلى الأمين العام أن يدرك أنه لا يمكن لنظام جبل على القمع والبطش والقسوة لا يرعى إلاًّ ولا ذمة ولا يرحم طفلاً ولا كهلاً، أن يسحب قواته وشبيحته، ويطلق المعتقلين ويسمح بالإعلام الخارجي وإلا كان في ذلك نهايته، أوكما يقول الرميحي: إن ذلك يعني توقيع شهادة وفاته مقدماً!

وقد قال شاعرنا قديماً:

ومكلف الأيام ضد طباعها

متطلب في الماء جذوة النار

كيف يكون لهذا النظام عهد عند العرب وجامعتهم، وهو قد نقض كل العهود والمواثيق من قبل مع شعبه وجيرانه ودول الخليج وبخاصة البحرين؟! ما كان لمثل هذا النظام أن يحترم توقيعه بعد 10 أشهر من القتل الهمجي لشعبه! واهمٌ من يصدق أن هذا النظام سيلتزم بالبروتوكول وساذجٌ من يتصور ذلك.

مازال المعلم يصول ويجول في مؤتمراته الصحافية وكأنه حقق نصراً وضحك على الجامعة، إذ يقول: ما كانت بلاده ستوقع مهما كانت الإنذارات والتهديدات لولا موافقة الجامعة على إدخال تعديلاتنا على البروتوكول! وبعد أن كان يهاجم "العربي" ويستخف به بقوله "لا يشرفنا التشاور مع العربي" أصبح اليوم يقول إنه لن يتعاون إلا مع العربي في شأن البروتوكول! وقد سبق أن وصف قرار تعليق الجامعة لعضوية سورية بـ"قلة الحياء" وكال الاتهامات بالعمالة والتآمر للجنة الوزارية.

والتساؤل: كيف قبلت الجامعة؟ وكيف قبل أمينها كل هذه البذاءات من نظام فقد شرعيته محلياً وعربياً ودولياً؟! كيف سكت الأمين العام والتزم بالأدب الجم تجاه إهانات النظام السوري للجامعة؟! ماذا كان العرب وجامعتهم يأملون من هذا النظام العدواني المراوغ؟!

إن الجامعة العربية ارتكبت 3 أخطاء جسيمة بحق الشعب السوري: 1- أنها لم تفعل للثورة السورية كما فعلت للثورة الليبية حين رفعت الغطاء العربي عن النظام الليبي وأعطت الضوء الأخضر لمجلس الأمن لحماية الليبيين من نظامه القمعي، وقد راهنت الجامعة مراهنة فاشلة على انقياد النظام السوري وقبوله بالحل العربي، وهو حل وهمي لن يجد تطبيقاً واحداً في تاريخ الجامعة العربية منذ إنشائها إلى اليوم. لقد راهنت الجامعة على مبادرتها وهي الأعلم بطبيعة النظام السوري المستعصية على الإصلاح والمناقضة للتعهدات!

2- أنها مدت في عمر هذا النظام عبر اتباعها سياسة المهل المتتالية التي لم يحترمها النظام، بل استغلها في مزيد من المجازر، ويكفي للتدليل أن عدد من سقطوا بين جمعتي "الجامعة العربية تقتلنا" و"بروتوكول الموت" يتجاوز الألف، مما يحق للسوريين أن يقولوا إن الجامعة تتحمل جانباً من المسؤولية.

3- أنها وافقت على توقيع النظام بعد انتهاء المهل المحددة له وبشروط سورية غير مبررة، ومعنى ذلك أن الجامعة لم تحترم مهلها وكان المفترض أن تقول لسورية إن التوقيع بعد انتهاء المهل لا قيمة له، أشبه بأداء الصلاة خارج وقتها.

إن المبادرة العربية حملت بذور فشلها منذ البداية، في بنود يصعب تطبيقها، بل مراقبتها في ظل نظام شديد المراوغة من قبل مراقبين لا حول لهم ولا قوة يستجدون حماية النظام! ما كان لهذا النظام أن يرعوي ويرتدع بالحل العربي أبداً!

فالعرب في كل تاريخهم أعجز من أن يحلوا مشكلة عربية واحدة، وكان الأليق بالجامعة أن تعترف بعجزها وتحيل الملف إلى مجلس الأمن كما فعلت مع ليبيا، لا من أجل الشعب السوري فحسب، ولكن من أجل كرامتها وسمعتها كما يقول المفكر السعودي راشد المبارك: "ليس المطلوب من الجامعة الانتصار لمظلوم ومنع القتل، بل قبل ذلك ومع ذلك، الانتصار لذاتها والدفاع عن كرامتها التي عرضتها للهوان".

آن للجامعة أن تثأر لكرامتها وترد اعتبارها وتتحمل مسؤوليتها التاريخية، فتلغي مبادرتها، وتعتبر توقيع النظام كأن لم يكن في ظل المجازر المرتكبة، وتحيل الملف برمته إلى مجلس الأمن، فذلك هو الحل الأنجع لحماية السوريين، وحتى لا نقع في خطأ التعميم في الأحكام يجب فرز المواقف العربية في هذا الشأن.

فالدور العراقي مخزٍ بكل المقاييس، وحكومة المالكي تتحمل العار التاريخي عن تقاعسها في حماية الشعب السوري في مقابل الدور الخليجي وبخاصة قطر الذي يعد دوراً مشرفاً وسنداً حقيقياً للسوريين.

فيمَ مخاوف الجامعة من التدويل؟ ولماذا الهواجس من التدخل الدولي؟ لقد تجاوزت الشعوب العربية في عصر الربيع العربي كل ذلك عدا بقايا الناصريين وعلى رأسهم هيكل وبعض البعثيين! حتى الإسلاميون أصبحوا اليوم يرحبون بالتدخل الدولي ولا أدل من تصريح فضيلة الشيخ القرضاوي بحق السوريين في طلب التدخل الدولي في حالة فشل الجامعة العربية.

*كاتب قطري