لم يعد أمام العرب، بعد أن رفض النظام السوري مبادرتهم الأخيرة بطريقة فجة واستعلائية، إلا أن يتصرفوا مع هذا النظام على أساس أنه نظام مارق، وأن سورية العظيمة أصبحت تحت حكمه دولة فاشلة، وعليهم عدم تركه يتلاعب على هذا النحو بأمن بلد تؤثر تطوراته في الوضع العربي كله، وتعتبر شؤونه الداخلية، وقد غدا الوضع على ما هو عليه الآن، شأناً داخلياً لكل دولة عربية إن كانت مشاطئة للخليج، أو حتى إن كانت مطلة على المحيط الأطلسي في الغرب.

Ad

حتى النصيحة الإيرانية، التي هي ليست خالصة لوجه الله، فقد رفضها هذا النظام الذي بات يتصرف بطريقة انتحارية "عليَّ وعلى أعدائي"، فالرد على مناشدة بشار الأسد بالاستجابة للمطالب المشروعة لشعبه جاء استعلائياً وعنجهياً، وبالقول إننا قادرون على معالجة مشاكلنا، ونحن بغنى عن أي تدخلات خارجية.

قبل مبادرة المجلس الوزاري للجامعة العربية، التي واجهها هذا النظام بطريقة استعلائية، وغير لائقة، كانت هناك محاولات قام بها عربٌ كثيرون لثني الرئيس السوري عن الحلول الأمنية والعسكرية التي اختارها لهذه الأحداث عندما كانت لا تزال في بداياتها، التي لم تكن ستصل إلى ما وصلت إليه لو أنها عولجت بغير أساليب القمع والرصاص والدماء وجنازير الدبابات، ولما أصبح السوريون يطالبون بإسقاطه هو، والتخلص من هذا النظام الدكتاتوري الأرعن بعدما ورثه عن والده، الذي كانت مذابح حماة الشهيرة في عام 1982 عنوان فترة حكمه "الميمون".

ولهذا، وبعد هذه الصفعة التي وجهها إلى الجامعة العربية ولمساعيها الخيرة، فإنه لم يعد هناك مجال للاسترضاء واللين والمسايرة، فهذا النظام، كما هو واضح، ذاهب بسورية إلى الفوضى والحرب الأهلية، وقد تصل الأمور إلى حد الانقسام وإقامة الدويلة المذهبية التي كان رفضها المجاهد "العلوي" الكبير صالح العلي قبل نحو خمسة وستين عاماً، وترفضها غالبية الطائفة العلوية الكريمة المغلوبة على أمرها، التي كان من سوء طالعها، وطالع هذا البلد العربي الكبير الاستراتيجي والمهم، أن حكمه قد انتهى إلى تحالف عائلتين متصاهرتين ومتحالفتين أيضاً مع بعض المنتفعين، ومع أشخاص محدودين يشكلون "ديكوراً" سنياً باهتاً لحكم هاتين العائلتين، الذي يُصرُّ على أنه حكم الطائفة العلوية، وهذا في حقيقة الأمر غير صحيح.

الآن، وبعدما فشلت كل محاولات العرب لإقناع نظام بشار الأسد بأن عليه ألاّ يرْكب رأسه، ويذهب بعيداً في هذا الطريق الذي غدا يسير فيه، فإنه لم يعد هناك إلا اللجوء إلى آخر الدواء وهو "الكي"، والكي في مثل هذه الحالة هو التوجه إلى مجلس الأمن الدولي وإلى الأمم المتحدة لتوفير حماية للشعب السوري، الذي بات، بعد أن تطورت الأمور ووصلت إلى ما وصلت إليه، يواجه حرب إبادة فعلية على غرار حرب الإبادة التي واجهها الشعب الكمبودي ذات يوم على يد الطاغية بول بوت.

لقد اختار هذا النظام أن يُغلقَ الأبواب في وجه كل المساعي العربية الخيرة لإنهاء هذا المأزق بالأساليب السلمية، ولذلك فإنه لا بد من عمل جدي لإنقاذ بلد عربي رئيسي من هذه الفوضى التي بات يُغْرقهُ فيها نظام بشار الأسد، ولا بد من السعي جدياً، بالتنسيق مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لتوحيد المعارضة السورية ودعمها والأخذ بيدها لأن فشلها سيعني معادلة جديدة مكلفة في هذه المنطقة ستشكل إيران بأطماعها وتطلعاتها المعروفة التي لم تعد خافية على أحد الرقم الأكبر والأساسي فيها!!