انسحاب الجيوش الأميركية من أفغانستان، الذي يتحدث عنه باراك أوباما، إن حصل فإنه بنتائجه سيشبه انسحاب الولايات المتحدة بمخابراتها و»مجاهديها» واهتماماتها السياسية من هذا البلد بعد خروج القوات السوفياتية الغازية منه وتركه للأقدار، ولأن يقتتل المجاهدون مع بعضهم على المغانم إلى أن برزت حركة طالبان بسرعة بدعم استخباري خارجي لتقصي الجميع وتقضي عليهم وتقيم نظاماً متخلفاً لا مثيل له حتى في العصور الوسطى وتُنشئ منظمة «القاعدة» بزعامة أسامة بن لادن التي نثرت الإرهاب في كل أرجاء الكرة الأرضية، واستهدفت بصورة رئيسية دولاً عربية معينة.
كان أسامة بن لادن طوال هذه الأعوام، منذ عام 2001 حتى مقتله، في متناول القبضة الأميركية، وكان الأميركيون يدخرونه حتى تحين اللحظة المناسبة وحتى تكون تصفيته مبرراً لسحب الجيوش الأميركية من أفغانستان وعوناً للرئيس باراك أوباما للفوز في انتخابات الولاية الثانية، على اعتبار أنه فعل ما عجز جورج بوش عن فعله، وأنه ثأر لأرواح الألوف من الذين قُتلوا في ذلك اليوم الأسود أي الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001.لكن إن تم بالفعل سحب القوات الأميركية, جزء منها في البداية والبقية في وقت لاحق, بينما وضع أفغانستان هو هذا الوضع المأساوي حيث لاتزال طالبان قادرة على الوصول إلى أي هدف تريده، وحيث «القاعدة» لاتزال موجودة ولديها إمكانية ضرب الأهداف التي تريد ضربها في هذا البلد وفي غيره، فإن الوضع سيكون «كأنك يا أبا زيد ما غزيت»، وعندها فإن ما لا جدال فيه أن كوارث ما بعد الانسحاب الأول في بدايات تسعينيات القرن الماضي ستتكرر ولكن بصورة أكثر مأساوية.كان على الأميركيين, مادامت لديهم مراكز دراسات وأجهزة استخبارية محترفة وقادرة، ومادامت دولتهم دولة مؤسسات ولا تستطيع أي إدارة أن تلغي كل ما قامت به الإدارة التي سبقتها, ألا ينسحبوا من بلد هم الذين أقحموه في كل هذه الويلات التي يواجهها إلا بعد ضمان استقراره، وبعد أن تتولى أموره سلطة مقتدرة وقادرة على حمايته من كل من له مصلحة في استهدافه، والآن فإن مثل هذا الانسحاب يُعد جريمة الجرائم مادامت أوضاع هذا البلد لم تستقر بعد، وحامد كرزاي الغارق في الفساد حتى أذنيه لا يستطيع تأمين الحماية حتى لقصره الذي يشكل هدفاً دائماً لتنظيم القاعدة وحركة طالبان.ليس أسامة بن لادن وحده الذي كان يشكل كل تلك الأخطار التي كانت تستهدف أميركا وكانت تستهدف غيرها، ولعل ما يؤكد هذه الحقيقة أن التخلص من هذا الرجل لم يُخلص أفغانستان من طالبان، ولم يُخلص العالم من القاعدة، فالقائد الملهم قد رحل لكن الشبكة الإرهابية العالمية لاتزال قائمة، وهذا يعني أن أي انسحاب للقوات الأميركية من أفغانستان, إن مرة واحدة وإن بدفعات متلاحقة, سيؤدي إلى مزيد من العنف وإلى تحويل أفغانستان إلى أسوأ مما أصبحت عليه في بدايات عقد تسعينيات القرن الماضي، وتحولها إلى معسكر إرهابي كبير وإلى قنابل موقوتة دائمة.والغريب أن أوضاع العراق الأمنية أفضل بألف مرة من أوضاع أفغانستان، لكن ومع ذلك فإن الأميركيين مارسوا ضغوطاً فعلية وحقيقية على أطراف المعادلة العراقية لدفعهم إلى الطلب من واشنطن أن تُبقي قواتها الغازية في بلاد الرافدين بحجة الخوف من العودة, سريعاً, إلى الفوضى وإلى الرعب والإرهاب, وحقيقة فإن هذا يؤكد المؤكد، وهو أن الأميركيين لا يعرفون إلا مصالحهم، وأنهم إذا اقتضت مصالحهم ذلك فإنهم لن يترددوا لحظة واحدة في أن يتركوا حتى أقرب أصدقائهم إليهم ليواجهوا مصائرهم بأنفسهم، فالمهم مصالحهم ولا غير مصالحهم.
أخر كلام
واشنطن تترك أفغانستان لـطالبان!
25-06-2011