لكل بلد فساده
مع أن الفساد هو بالضرورة ظاهرة كونية، أي أنه منتشر في كل بقاع الأرض دون استثناء، فحيث يوجد بشر يوجد فساد وأينما وجدت دولة يتواجد الفساد ومنها يتأسس الفساد السياسي، إلا أنه وبمقابل ذلك فإن الدول تختلف بفسادها وتتباين.عندما تأسست منظمة الشفافية الدولية، وسنعود لهذه المنظمة الرائدة في مقالة أخرى، كانت تفترض أن ثمة معايير دولية يجب اتخاذها لمكافحة الفساد، وافترضت أيضاً بأن تلك المعايير الدولية صالحة لمكافحة الفساد في أي زمان ومكان، وهي فرضية تحتاج إلى تمحيص.
إلا أنه، ومع استمرار العمل الدؤوب لمكافحة الفساد، اكتشف العاملون في هذا المجال أن هناك إشكالية كبيرة في تطبيق بعض المعايير، وأننا دوماً بحاجة إلى تطوير آليات بتر الفساد واجتثاثه من جذوره، وأبرز تلك المعوقات هي تنوع الفساد وأشكاله، وبالتالي الحاجة الماسة إلى تكييف الإجراءات، أو بعضها على الأقل، لكي تكون حملة أو مؤسسات مكافحة الفساد ذات كفاءة مؤثرة في تحقيق غرضها.ولعل أحد أبرز تلك التباينات ينتج عن طبيعة النظام الاقتصادي، وإن كان نظاماً إنتاجياً حقيقياً أم هو نظام ريعي، كما هي الحال عندنا. فمنظومة القيم الثقافية الحاضنة للفساد تختلف إلى حد كبير من بلد الي بلد، وربما تتحول تلك القيم الثقافية إلى سد منيع يعوق عملية مكافحة الفساد، وفي أغلب الأحيان تتحول تلك المكافحة إلى حالة شخصية تركز على إزاحة هذا المسؤول أو ذاك من موقعه، دون التعامل بجدية مع بناء منظومة متكاملة لاقتلاع الفساد، أو فلنقل محاصرته والحد من انتشاره.من ذلك المنظور نقرأ تلكؤ الحكومة وتمنّعها وإصرارها على تبعية هيئة مكافحة الفساد لأجهزة حكومية، وهو أمر يخالف من حيث المبدأ الغرض من تلك الهيئة، فهل يمكن لهيئة مكافحة فساد، في بلد تهيمن فيه الحكومة على كل شيء تقريباً، أن يأتي قانون تلك الهيئة ليجعلها تابعة للحكومة؟.