لقد أصبح الجهاز الإداري للدولة من وزارات ومؤسسات وهيئات عامة بؤرة من بؤر الفساد الإداري والمالي، وهو الأمر الذي سيجعل الحديث عن رسم خطط تنموية طموحة وتنفيذها حديثاً «مأخوذا خيره» ما لم تُعَد هيكلته لفك التشابك الإداري، أي التشابه في الاختصاصات بين الكثير من الأجهزة الحكومية.

Ad

من المفروغ منه أنه لا يمكن أن يكون هنالك أي نوع من أنواع الإصلاحات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية الجدية ما لم يسبقها قيام الحكومة بتبني حزمة إصلاحات سياسية شاملة وتنفيذها، تبدأ أولا وقبل كل شيء بالاعتراف علناً بخطأ السياسات السابقة التي أوصلتنا إلى هذا الوضع المزري على كل الصعد، ثم الإعلان الواضح والشفاف عن التزامها بتنفيذ مشروع متكامل للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي محدد بإطار زمني دقيق.

وفي السياق ذاته فإن أي مشروع جدي للإصلاح السياسي ومحاربة الفساد يلبي مطالب الشعب الكويتي عندما خرج إلى ساحتي الإرادة والصفاة، يجب أن يرافقه ثورة إدارية شاملة تعيد هيكلة الجهاز الإداري للدولة بشكل جذري بعد أن ترهّل فأصبح عبئا ثقيلا على الميزانية العامة للدولة، وعقبة كبيرة في وجه أي خطوات تنموية جادة بدلا من أن يكون وسيلة مرنة أو أداة فاعلة لتنفيذ السياسات العامة للدولة.

لقد أصبح الجهاز الإداري للدولة من وزارات ومؤسسات وهيئات عامة بؤرة من بؤر الفساد الإداري والمالي، وهو الأمر الذي سيجعل الحديث عن رسم خطط تنموية طموحة وتنفيذها حديثاً "مأخوذا خيره" ما لم تُعَد هيكلته لفك التشابك الإداري، أي التشابه في الاختصاصات بين الكثير من الأجهزة الحكومية، إما بالتخلص من بعضها وإما بدمجها في جهة واحدة، وهو ما يعني بالتبعية التخلص من بعض المناصب الإدارية العليا والدرجات الوظيفية القيادية التي لا مبرر لوجودها سوى تنفيع بعض الأشخاص الذين يدينون بالولاء الشخصي لأصحاب القرار، أو يرتبطون معهم بعلاقات قربى، وهو الأمر الذي سيوفر ملايين الملايين على الميزانية العامة للدولة.

وهنا فإنه تجدر الإشارة إلى أن بعض القيادات الإدارية الفاسدة والضعيفة قد أمضت قرابة 30 عاما في المناصب ذاتها دون حسيب أو رقيب بعد أن تقلدتها، ليس بسبب قدراتها القيادية الفذة أو كفاءتها المهنية العالية، بل لأسباب لها علاقة بالولاء السياسي أو القرابة العائلية والفئوية لمتخذي القرار أو الاثنين معا.

وهو ما يجعل الكويت مؤهلة للدخول في موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية كإحدى الدول التي يمكث فيها بعض "القياديين" أكثر من ربع قرن في المنصب ذاته دون أن يقدموا عملاً فريداً أو مميزاً، والدليل على ذلك الوضع الإداري السيئ لأغلب أجهزة الدولة التي تديرها تلك "القيادات"!

قصارى القول أنه لا إصلاحات اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية ما لم يسبقها إصلاح سياسي جذري تنفذه إدارة كفؤة ومتميزة بعد أن تقود ثورة إدارية شاملة، فهل نرى ذلك قريبا؟

***

نافذة: من أجل توحيد الدعوة العمومية وضمان قدر أكبر من حيادية التحقيق فإنه يجب ضم الإدارة العامة للتحقيقات إلى النيابة العامة لتكون نيابة جنح بدلا من تبعيتها الحالية لوزارة الداخلية، كما يجب ضم الإدارة العامة للأدلة الجنائية والطب الشرعي إلى وزارة العدل بدلا من تبعيتهما الحالية لوزارة الداخلية أيضا.