المعارضة... وخبز السلطة
شهد تاريخ الكويت السياسي منذ مطلع العشرينيات من القرن الماضي عدة حركات مطالبة بإصلاحات سياسية ابتداءً بالمجلس التشريعي عام 1921 مروراً بمجلس 1938 وصولاً إلى حقبة الستينيات، وكان من يقود هذه الحركات في بداية الأمر هم طبقة التجار، ثم اشترك في هذا الحراك الشباب المثقف المتأثر حينها بحركة القوميين العرب، وشكل هذان المكونان تيار المعارضة في مجالس الأمة التي تلت العمل بالدستور.ولمواجهة هذه المعارضة استقطبت السلطة بعض الفئات الاجتماعية لتعقد تحالفات معها، وكان أبناء القبائل وقت ذاك خير معين على ذلك، بل إنها تمادت بأن استخدمت سياسة التجنيس للتأثير في مخرجات الانتخابات لتكوين كتلة موالاة داخل البرلمان لإضعاف المعارضة التقليدية (التجار والمثقفين)، وقد أدت هذه السياسة إلى تغيير طبيعة التركيبة السكانية للمجتمع الكويتي، ولم يكن من أولويات السلطة حينها ترسيخ مفهوم المواطنة ودمج المواطنين الجدد بمشروع المجتمع المدني الناشئ، بل على العكس سهلت لهم تمركزهم في كانتونات ومناطق معينة ساعدت في انغلاقهم على أنفسهم، وعززت فيهم الانتماء القبلي على حساب الانتماء للدولة، واستمرأت الحكومات المتعاقبة هذا النهج، ولم تعِ خطورته إلا متأخراً خصوصاً عندما تغيرت قواعد اللعبة، وخرج من أصلاب رجال القبيلة الموالين عتاة المعارضة الجديدة!
وخطورة الأمر الذي نعنيه لا يتمثل بظهور قبليين معارضين، فالمعارضة أمر طبيعي في جميع الديمقراطيات وليست حكراً على فئة دون أخرى، إنما تكمن الخطورة في أن يكون أبناء القبائل بانغلاقهم وكثرتهم وما يعرف عنهم من سهولة الاستثارة وميلهم إلى العنف بمواجهة السلطة! الأمر الذي عقد الموقف، وكأن لسان حال من انتقد نهج السلطة في بدايته يردد المثل الشعبي الدارج "خبزٍ خبزتيه يا الرفله اكليه"! ومع هذا وبدلاً من تدارك الأخطاء واستيعاب مطالب المعارضة وهضمها والتي في أغلبيتها مطالب مستحقة، بدأت السلطة بانتهاج نهج خطير، وشرعت تعجن عجيناً لخبز آخر لا يقل سوءاً عمّا خبزته في العقود الماضية، وهو تغيير معادلة الاستقطاب وتقوية أطراف أخرى والسكوت عن الإساءات المتبادلة بين فئات المجتمع في ظل حالة عدم الانسجام بين مكوناته والتي كشفت عن نار كانت طوال هذه السنين تحت الرماد.ولعل ما مرّ بنا من أحداث خلال الأيام القليلة الماضية خير شاهد على ذلك، فإذا استمر نهج الاستقطابات على حساب سيادة القانون والعدالة الاجتماعية بين جميع أفراد الوطن الواحد، فإننا لن نجني إلا الكوارث والفتن، وقد أظهرت لنا مخرجات مجلس الأمة الجديد مدى استياء الناخب الكويتي من سياسات الحكومات الماضية، فجميع أعضاء المعارضة الذين قادوا الحراك الشبابي في الفترة الأخيرة عادوا أقوى من ذي قبل سواء بالمناطق الحضرية أو القبلية، باستثناء مخرجات قليلة كان وصولهم نتيجة حالة عدم الانسجام الاجتماعي أو بمعنى آخر نتيجة "الخبز الفاسد"!لذلك يجب على جميع الأطراف أن يتعاملوا مع الواقع بحذر، فالمسألة لم تعد فقط قصوراً في التنمية والبنى التحتية إنما أصبح الأمر يمس وجود وكيان الدولة، وعلى الكل أن يعي حقيقة أن المركب يسع الجميع، فلن يستطيع أحدنا إلقاء الآخر في البحر وعلى ربان المركب، وهي السلطة أن تمسح من قاموسها المقولة البائسة "فرق تسد"، وتستبدلها بـ"ألِّف تسد" وإلا غرق المركب بمن عليه... ألا هل بلغت اللهم فاشهد.