في وقفة تقييمية لأداء الحكومة بعد نهاية دور الانعقاد الثالث لمجلس الأمة لا بد من تسليط الضوء على مجموعة من القضايا المهمة التي كانت محوراً للتجاذب الحاد بين نواب المعارضة وسمو رئيس مجلس الوزراء كمؤشر واقعي للحالة السياسية في البلاد.

Ad

فوفق المعطيات الرقمية والحسابات السياسية تجاوزت الحكومة ورئيسها تحديداً جميع المواجهات الصعبة مع المجلس ليس فقط على مستوى الاستجوابات بل حتى في الجانب التشريعي، ولو بأرقام متفاوتة، وذلك بفضل الأغلبية البرلمانية التي تحظى بها الحكومة إضافة إلى الأدوات الدستورية التي تملكها و"تفرمل" من خلالها بعض الممارسات النيابية مثل اللجوء إلى المحكمة الدستورية أو تعطيل جلسات المجلس أو رد التشريعات التي تردها الأغلبية البرلمانية.

وعلى الرغم من كل هذه الإمكانات الدستورية والغطاء السياسي فإن سلوكيات الحكومة لم تخرج عن كونها حكومة ردود أفعال لا حكومة مبادرات أو سياسة وطنية واضحة تدير من خلالها شؤون الدولة ولو بشكل موقت، والسنوات التي شهدت ولادة الحكومات المتعاقبة السبع برئاسة الشيخ ناصر المحمد غلب عليها طابع العشوائية والتردد والضعف في مقابل تنامي كل أشكال الفساد الإداري والمالي والسياسي غير المسبوقة.

ومازالت الحكومة تعيش وتتصرف سياسياً انطلاقاً من عقدة المعارضة وتحت رحمتها، وهذه بعض الشواهد على ذلك: فبعد الاستجواب الأول حول مصروفات الرئيس والشيكات وسقوط الاستجواب تم تحويل هذا الملف إلى ديوان المحاسبة والنيابة العامة، وأكدت هذه الجهات الرقابية وجود تجاوزات مالية جسيمة وفرضت علاجات جذرية وفورية لها.

وبعد الاستجواب الثاني لسمو الرئيس على خلفية قمع الندوات وضرب المواطنين والنواب في "ديوان الحربش" تم سحب القوات الخاصة من أماكن التجمعات التي تحولت إلى مسيرات احتجاجية ضخمة، بمعنى أن الاستجواب سقط في المجلس، ولكنه نجح في الشارع.

وبعد الاستجواب الثالث لرئيس الوزراء حول العلاقات الخارجية وسقوطه أيضاً بادر الرئيس بجولته الخليجية الحالية في تجاوب صريح وسريع مع بعض محاور الاستجواب.

وفي الجانب التشريعي، وعلى الرغم من رفض الحكومة للعديد من القوانين المقدمة من نواب المعارضة تحديدًا فإنها أُقرّت ووافقت عليها الحكومة لاحقًا مثل زيادة الـ50 ديناراً، وكادر العسكريين المتقاعدين، وكادر العاملين في النفط، ونفس المصير سيواجه قانون إلغاء فوائد القروض وكادر المعلمين إضافة إلى كبح جماح الميزانية العامة الأخيرة، ناهيك عن مجموعة مهمة من القوانين الآتية تباعاً مثل هيئة الاتصالات والنقل ومكافحة الفساد وغيرها.

وثمة مؤشر مهم آخر على حكومة ردة الفعل متمثلة بالاستجابة للصراخ والصوت العالي، سواء فيما يتعلق بسحب القضايا التي رفعها سمو الرئيس ضد خصومه في القضاء بعد الضغط الإعلامي والمنظمات العالمية، أو الرضوخ للأصوات العالية في التعيينات في المناصب العليا والحيوية وآخرها القطاع النفطي وهيئة سوق المال.

وهذا الواقع السياسي المثير للسخرية يمكن اختزاله بعبارة واحدة، وهي أن الأغلبية البرلمانية المؤيدة لرئيس الحكومة تكافح وتناضل وتتلقى الضربات تلو الأخرى لحماية الرئيس والمحافظة على بقائه في حين أنه ينفذ أجندة المعارضة خطوة بخطوة وبشكل دقيق وعلني أيضاً!