مع صدور حكم محكمة الاستئناف الأسبوع الماضي بإعادة رئيس الإدارة العامة للتحقيقات السابق فلاح العتيبي إلى عمله، وإلغاء كل الآثار المترتبة على ذلك فإن الحكم إذا ما أصبح باتا من محكمة التمييز أو أن وزارة الداخلية لم تطعن عليه بالتمييز، فإنه يعني عودة فلاح العتيبي الى منصبه ومغادرة الرئيس الحالي يوسف السعودي المنصب بقوة الحكم القضائي.

Ad

المثال نفسه تكرر مؤخرا بتعيين اللواء فيصل الجزاف كرئيس للهيئة العامة للشباب والرياضة مع الرئيس السابق فؤاد الفلاح، فبعد أن عينت الحكومة الجزاف طعن الفلاح على القرار ولجأ إلى القضاء الإداري، الذي انتهى الحكم لصالحه بحكم ابتدائي ثم جاءت الاستئناف وألغت الحكم، وعندما رغب الجزاف التنفيذ والعودة الى عمله طعن الفلاح أمام محكمة التمييز فانتهت الأخيرة بقرار مستعجل بوقف تنفيذ حكم الاستئناف إلى حين التمييز، فاستمر الفلاح بعمله حتى التمييز، ثم صدر قرار آخر بحق الفلاح بإبعاده عن العمل وهو إحالته على التقاعد لبلوغه سن الـ65.

السيناريو ذاته يتكرر اليوم في التحقيقات بحصول الرئيس السابق على حكم بإعادته الى عمله وإلغاء قرار وزارة الداخلية بإحالته على التقاعد، وهو الأمر الذي يرتب إلغاء تعيين الرئيس الحالي يوسف السعودي وإبعاده عن منصبه، والامر كذلك قد يحدث غدا في قرار مجلس الوزراء مع مفوضي هيئة سوق المال الذين صدر قرار بإقالتهم، وبالتأكيد سيأتي مجلس الوزراء اليوم أو غدا ويعين آخرين فيتحصل من تمت إقالتهم على حكم قضائي ويلغون تعيين من عينوا من بعدهم ويعودون الى مناصبهم! فأين المشكلة هل هي في قرارات مجلس الوزراء؟ أم في أحكام القضاء؟ أم ماذا؟!

برأيي أن المشكلة تكمن في قواعد القضاء الإداري نفسها ومبادئه فما تخلص إليه المحاكم من قواعد قانونية في الثمانينيات تأتي المحاكم في الألفين وتأتي بقواعد جديدة أو شبه معدلة لتلك القواعد الواردة في السابق، وهو الأمر الذي يربك إما المتقاضين أو صاحب القرار وهنا الجهة التنفيذية، وإما القضاء وهو الجهة المعنية بإنزال القانون وهنا يتمثل بالقواعد التي اعتمدها القضاء على النزاع الموضوعي الخاص بالموظف أو المتظلم من القرار الإداري المراد إلغاؤه أو المراد المطالبة بالتعويض منه لما يملك القضاء الإداري من ولاية الإلغاء والتعويض معا.

ولذلك فإن الأمر يستلزم أن يصدر المشرع الكويتي قانونا إداريا يضع فيه من المبادئ التي استقر العمل فيها من القضاء الإداري علاوة على وضع المعايير التي تحمي الموظف العام أو كل متضرر من القرار الإداري ووضع ما عجز عنه القضاء في تفسيره وشرحه كنظرية أعمال السيادة مثلا، وغيرها من المحرمات التي فرضها قانون إنشاء الدائرة الإدارية، ولكن ونتيجة لضعف الصياغة والقصور التشريعي بتلك النصوص تأتي المحاكم وتستكمل النظر في قضية منع إنشاء دور للعبادة، في حين أن النص يحظر على القضاء النظر!

ما يعنيني هو أن يلملم القانون تلك المبادئ المنتشرة هنا والمتلاطمة هناك وأن يسد كل الفراغات التي يعانيها القضاء الإداري بدءا من المصلحة وانتهاء إلى كيفية تنفيذ الحكم الإداري حتى لا تقع جهة الإدارة بالمحظور وأن تضيع في غياهب التفسير وأن يطبق القضاء ما تم النص عليه وبوضوح، وأخيرا أن يعي المتقاضي ما له وما عليه وبوضوح شديد، وحينها برأيي ستقل نسبة الخطأ الحكومي على القرارات والخطأ من الأحكام أو الخطأ في رفع الدعاوى القضائية.