هيئة مكافحة الفساد... الشيطان في التفاصيل
في ظل الوضع الحالي الذي استشرى فيه الفساد والإفساد في الأجهزة الحكومية و«فاحت ريحته» من داخل السلطة التشريعية، وتردى فيه مستوى أداء الإدارة العامة بشكل غير مسبوق، فإن الخوف كل الخوف هو أن تتحول هيئة مكافحة الفساد المزمع إنشاؤها إلى جهاز شكلي «ديكوري» يكون دوره الأساسي هو التغطية على عمليات الفساد والإفساد.
اعتماد مجلس الوزراء مشروع قانون في شأن مكافحة الفساد، والكشف عن الذمة المالية، والذي يقضي بإنشاء هيئة عامة مستقلة لمكافحة الفساد يعتبر خطوة في الاتجاة الصحيح، لكن "الشيطان يوجد في التفاصيل" كما يقول المثل الأجنبي.هناك أسئلة كثيرة ملحة تتعلق بالهيئة المزمع إنشاؤها وبقانون الكشف عن الذمة المالية مثل: هل يمكن أن تعمل الهيئة بكفاءة وفعالية في ظل استشراء الفساد والإفساد السياسي أو أن الأمر يتطلب حزمة إصلاحات سياسية قبل البدء بممارسة الهيئة لأعمالها؟ وهل يتطلب الأمر موافقة مجلس الأمة على تعيين كبار مسؤوليها، أو تعينهم الحكومة مباشرة؟ وما درجة استقلالية الهيئة المالية والإدارية؟ ثم من هم المسؤولون العموميون الذين سيشملهم كشف الذمة المالية؟ وهل هناك إعفاءات من تقديم كشوف الذمة المالية؟ ومن المخول بمنح الاستثناءات، وكم مدتها؟وهل ستتبع الهيئة السيرة المهنية لكل مسؤول عام (وزراء، وكلاء، وكلاء مساعدون، مديرون عموميون، مديرون، مراقبون، رؤساء أقسام وأعضاء السلطتين القضائية والتشريعية) قبل شغل الوظيفة العامة للتأكد من عدم ارتكابهم مخالفات وجرائم لها علاقة بالفساد السياسي والمالي والإداري؟وهل سيشمل كشف الذمة المالية أقرباء المسؤولين العموميين حتى الدرجة الرابعة؟ ومتى سيطبق هذا القانون؟ وهل سيطبق بأثر رجعي أم لا على طريقة "عفا الله عما سلف" من أجل تجاوز فضيحة الرشاوى المليونية للنواب المثارة هذه الأيام، وما يحاط بها من ملابسات سياسية معقدة؟قصارى القول إنه في ظل الوضع الحالي الذي استشرى فيه الفساد والإفساد في الأجهزة الحكومية و"فاحت ريحته" من داخل السلطة التشريعية، وتردى فيه مستوى أداء الإدارة العامة بشكل غير مسبوق، فإن الخوف كل الخوف هو أن تتحول هيئة مكافحة الفساد المزمع إنشاؤها إلى جهاز شكلي "ديكوري" يكون دوره الأساسي هو التغطية على عمليات الفساد والإفساد أكثر من أن يكون دوره هو مكافحتها...كما هي حال بعض أجهزة "مكافحة" الفساد الموجودة في بعض الدول العربية؛ مثل جهاز منع الكسب غير المشروع أيام حكم الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، والذي كان دوره الرئيس، هو تبرير عمليات الفساد والإفساد التي كان أركان النظام البائد والمحيطون بهم يمارسونها، والدليل على ذلك أن رؤوس هذا النظام وكبار مسؤوليه موجودون الآن في السجن، ويحاكمون بتهم الفساد السياسي والمالي والإداري!