ثورات شعبية وليست ثورات تويتر
من المسلم به أن التغيير الاجتماعي والسياسي لا يحصل هكذا بين ليلة وضحاها، بل لا بد من توافر ظروف موضوعية وذاتية لهذا التغيير، ووجود قوى حية تستطيع أن تقود عملية التغيير وتوجهها، إذ إن الهبّات الشعبية العفوية محكوم عليها عادة بالفشل لأنها تفتقد إلى من يوجهها ويقودها نحو مطالب محددة؛ ناهيك عن أنه ليس لها أفق سياسي ووطني.خذ مثلا الثورات العربية سواء التي أنجزت أو التي هي في طريقها إلى النجاح، فقد مرت كل منها بتراكمات عديدة إلى أن وصلت إلى مرحلة النضوج الذي لا يحتاج سوى إلى من يشعل فتيله، مثل المرحوم الرمز "البوعزيزي" في الثورة التونسية، على أنه وفي كل مراحل التغيير السياسي والاجتماعي فإنه لابد من وجود قوى سياسية حية وواعية وقادرة ومنظمة تقوم بتوعية الناس وتوجيههم وقيادتهم نحو أهداف عامة محددة، يتم التوافق عليها حتى لا تتشتت الجهود.
ويصبح من السهل على القوى المضادة وصاحبة المصلحة في إبقاء الأوضاع على ما هي عليه إفشال الجهود الرامية لحدث التغيير الوطني العام، الذي تشترك فيه فئات الشعب كافة، وليس الشباب فقط، وإن كانوا في طليعة التحركات الشعبية، وهو الأمر الذي يدحض القول السطحي بأن الثورات العربية هي ثورات "الفيسبوك أو التوتير" أو ما شابههما من وسائل إلكترونية. وإن ذلك الكلام سخيف وينم عن عدم معرفة وجهل فاضح بما مرت به الثورات الشعبية عامة والعربية خاصة من نضالات؛ دفعت خلالها الشعوب أثمانا غالية، إذ أُزهقت أرواح بريئة وعانت أسر عديدة وقضى بعض الشباب جل أعمارهم في سجون الأنظمة الاستبدادية.بالإضافة إلى ذلك فإن من يردد أن الثورات الشعبية هي "ثورات الإنترنت" فإنه يحاول أن يلغي المضمون الاجتماعي والوطني لهذه الثورات، إذ إنه يعجز عن الغوص في مضامين ما تحمله التحركات الشعبية من مطالب، وكيفية تحقيق الإجماع الشعبي، بل يكتفي بالنظر إلى مظاهر الأشياء لأنه من المعروف أن "الفيسبوك والتويتر" وغيرهما من الوسائل ما هي إلا أدوات تواصل يستخدمها الناس لتفعيل عملية تنظيمها وتحركها، وتوصيل رسائلها مثلما كانوا في السابق يستخدمون المنشورات الورقية والفاكس والهاتف والكتابة على الحائط، وغيرها من الأدوات والوسائل من أجل تفعيل عمليات التواصل في ما بينهم. هذا بالطبع لا ينفي أن وسائل التواصل الإلكترونية، كما هي الحال مع أي وسيلة اتصال حديثة، قد سهلت بشكل غير مسبوق نقل الرسائل بين الناس وتجاوزت الرقابة البوليسية التي كانت تفرضها الأنظمة القمعية على تبادل الرسائل بين الناس. قصارى القول إن ما شهدناه ونشهده في المنطقة العربية هو ثورات شعبية بامتياز حصلت نتيجة لتراكمات عديدة، ونضالات شعبية مستمرة، قادتها وتقودها قوى سياسية حية في مقدمتها العناصر الشبابية؛ بعد أن استطاعت تحقيق التوافق الوطني حول مطالب سياسية وطنية محددة، وقد فشلت الأنظمة الاستبدادية والقمعية في التعتيم عليها، كما كانت تفعل في السابق، نتيجة لتطور وسائل الاتصالات وسهولة الحصول عليها.كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة