هناك تشابه ما بين بعض الفقرات الواردة في كتاب «طبائع الاستبداد» لعبدالرحمن الكواكبي وبعض كتب جورج أورويل الشهيرة مثل «مزرعة الحيوانات» أو «1984»... بالتأكيد تناولهما قضية الطغاة والطاغية كان بمنهجين مختلفين، لكن تركيزهما على شخصية الطاغية واضح ولا يحتاج إلى إثبات، مع أن الكواكبي من سورية وأورويل من بريطانيا، فالطاغية كنموذج هو ذاته لا يتغير، فهو نموذج عابر للقارات والثقافات والملل والنحل.

Ad

من ضمن أدوات الدفاع التي يختبئ وراءها الطاغية إسقاط ذاته على محيطه، فيصبح هو الأمة والأمة هو، وأي مساس به هو مساس بالأمة كلها، وأي إهانة له إنما هي إهانة للوطن، فهو في خدمة الأمة مادامت الأمة في خدمته.

في إطار الحراك الشعبي العربي الثوري تتكرر الصورة ذاتها عند كل حاكم، سواء مع الذين رحلوا عن السلطة أو مع أولئك الذين يرفضون مواجهة الحقيقة فيهربون منها إلى الكذب والتزييف والخداع، وهم لا يخدعون إلا أنفسهم.

لا يقتصر الأمر فقط على طغاتنا العرب، ولكن مثال صربيا قد يقرب الصورة أكثر، فهناك شعور قومي متطرف لدى متطرفي صربيا يشابه أو يتجاوز شعور بعض المتطرفين لدينا بكل مرجعياتهم.

ولدى الكثير من الصرب اعتقاد راسخ بأن هناك مؤامرة دولية ضدهم، وأن العالم، كل العالم، يمنع صربيا الكبرى من الظهور لخشية العالم من قوتها، كما أن لديهم قدسهم السليبة ألا وهي كوسوفو المتجهة إلى الاستقلال، وبالتالي يشعرون أن المجتمع الدولي اقتطع منهم كوسوفوهم متآمراً عليهم لأسباب عرقية ودينية وتاريخية وخشية من قوة صربيا الموحدة.

كان ذلك هو السبب في تحرك الصرب للهيمنة على ما تبقى من يوغوسلافيا السابقة بعد تفككها في 1991 حتى بعد استقلال صربيا. وبالتالي تحرك الطغاة والمجرمون من الصرب بتواطؤ سلوبودان ميلوسيفتش الذي مات في السجن في لاهاي أثناء محاكمته كمجرم حرب، أو رادوفان كاراديتش رئيس حرب البوسنة الذي تم القبض عليه عام 2008 وهو في السجن بلاهاي يحاكم كمجرم حرب أو مؤخراً راتكوميلاديتش القائد العسكري لصرب البوسنة، الذي قُبض عليه في 26 مايو 2011 ويحاكم الآن في لاهاي كمجرم حرب، وبالذات كمسؤول أول عن مذبحة سربنيتشا في البوسنة والتي تفيد التقارير بأنه قتل فيها 8000 من المسلمين.

ومع أن البرلمان الصربي حاول، تحت ضغط من الاتحاد الأوروبي، أن يعتذر عن مذبحة سربنيتشا، واستطاع تمرير قرار بذلك في مارس 2010، بأغلبية 173 صوتاً ضد 127، إلا أن القرار كان يعاني قصوراً بوصف ما حدث.

بصرف النظر عن الفذلكات، وحالة الاستهبال العنصري، والتطرف الإقصائي، فإن المتغيرات الدولية انتهت بالثلاثة الطغاة في سجن محكمة البوسنة الجنائية الدولية في لاهاي، قضى منهم ميلوسيفتش بذبحة صدرية أثناء محاكمته، ومازال كاراديتش يحاكم وقد لحق به مؤخراً ميلاديتش.

قبل أيام، وقف ميلاديتش، أمام القاضي الهولندي ألفونس أوري ليمثل في جلسته الأولى، ولسخرية القدر كان هو نفس القاضي الذي مثل أمامه زميله في التطرف كاراديتش سنة 2008. فماذا قال ميلاديتش: «إنني أدافع عن نفسي وعن شعبي ولكنني لا أحاكم هنا وحدي بل هي محاكمة للأمة الصربية بأسرها».

هكذا هم الطغاة، مخلوقات قميئة، بائسة، تحول ضعفها الذاتي إلى قوة بركوب الجماعة، أما الضحايا الذين سفكت دماؤهم فليس لهم نصيب في مخيلة الطاغية.

بالطبع ليس هناك مجال لأن نتمنى على طغاتنا العرب أن يتعلموا، فهم ليسوا مؤهلين، ولكن بإمكاننا أن نتخيل ماذا سيقولون لو مثلوا أمام القاضي الجنائي الدولي في لاهاي، وعسى أن يكون ذلك قريباً.