هل يعقل أن تشكل لجنة استشارية عليا قد يتحول همها الأول والأخير إلى تجميد رواتب موظفي الدولة، وتجفيف منابع الدعم لمتطلبات حياتهم اليومية، وحتى فرض الضرائب عليهم، في المقابل «ترك الحبل على الغارب» للنهب المنظّم واستباحة ثروات البلد لأهل النفوذ والحظوة، وتتويج ذلك بشراء سكوت النواب وتبصيمهم على هذا الفساد عبر تقبّضهم المقسوم؟!

Ad

بعد ما نشر من معلومات خطرة حول الأرصدة النيابية المليونية والصدى الشعبي الكبير الذي تجدد من خلاله أن البلد ما زال بخير، وأن الكويتيين فعلاً أهل نخوة وفزعة في الملمات لنا أن نتساءل: ألم يكن من الأولى أن يتم تشكيل لجنة عليا للتحقيق والبحث في هذا الموضوع الذي كثر حوله الحديث والهمز واللمز والنغزات والاتهامات التي بلغت حد التواتر، ولكن دون أدلة قطعية قاطعة؟!

ولكن ما فجرته المعلومات البنكية الأخيرة بشأن المبالغ المليونية في أرصدة بعض النواب يجب أن يتم التوقف عندها ليس لكشف حقيقتها فحسب، بل لكشف تفاصيله وامتداداته عبر أجهزة الدولة ومؤسساتها الرسمية.

وقد يسفر مثل هذا التحقيق عن قمة التعاون الحكومي البرلماني، وأشكال هذا التعاون والمواضيع والمواقف التي عكسته، وأخيراً قيمة هذا التعاون مقدرة بالدينار الكويتي؟!

ولعل ما قد تكشفه التحقيقات يبيّن للشعب الكويتي أسباب تعطيل حزمة التشريعات الخاصة بمحاربة الفساد التي بذل من أجلها الكثير من الجهد والإخلاص والعمل من أجل وضع دولة الكويت التي ترأس اليوم المنظمة البرلمانية العالمية لمكافحة الفساد، وأقرتها الأمم المتحدة وأنجزها أكثر من 100 برلمان في العالم خلال السنوات الخمس الماضية.

ولعل الغوص في ملف المال السياسي يوضح للناس أسباب استبسال الحكومة على مدى عشرين سنة ضد إقرار قانون الكشف عن الذمة المالية لمتولّي الوظائف القيادية في الدولة؛ بمن فيهم أعضاء مجلس الأمة.

ولعل ما خفي كان أعظم، فالأرصدة البنكية قد يمكن كشفها، ولكن كيف يمكن كشف المناقصات والقسائم بأنواعها الزراعية والصناعية والشاليهات والمجمعات التجارية والسكنية وغيرها من صور الإثراء التي بنيت على حساب الصفقات السياسية، ولتأكيد مبدأ التعاون بين السلطتين، والتسويق لفكرة المعارضة الشخصانية للحكومة بالحق والباطل وبمناسبة وبدون مناسبة.

فهل يعقل أن تشكل لجنة استشارية عليا قد يتحول همها الأول والأخير إلى تجميد رواتب موظفي الدولة، وتجفيف منابع الدعم لمتطلبات حياتهم اليومية، وحتى فرض الضرائب عليهم، في المقابل "ترك الحبل على الغارب" للنهب المنظّم واستباحة ثروات البلد لأهل النفوذ والحظوة، وتتويج ذلك بشراء سكوت النواب وتبصيمهم على هذا الفساد عبر تقبّضهم المقسوم؟!