قد يكون وحده المشرِّع الكويتي في العالم بأسره مَن أصدر قانونا يشجع على الرشوة ويعاقب الوسيط الممتنع عن الكشف عنها بالسجن 3 سنوات، وقد يكون المشرع الكويتي من أكثر المشرعين في العالم بأسره تناقضا في تشريعاته، يجرم الرشوة وفق قانون الجزاء ويجيزها وفق قانون الكشف عن العمولات الصعبة!

Ad

مازلت أتذكر كلمات الأستاذة الدكتورة عزيزة الشريف وأنا على مقاعد الدراسة في كلية الحقوق بجامعة الكويت وهي في إطار شرحها للمنهج «بأنه لا يوجد مشرع أصدر تشريعا كهذا التشريع الفضيحة المشجع على الرشوة»، واليوم وبعد مضي أكثر من 15 عاما على صدور القانون لم أجد تحركا من نواب البكاء على المال العام لإلغاء هذا التشريع الذي برأيي يعد فضيحة مدوية ما بعدها فضيحة، ولا حتى تحركا من كتاب العشق بتقارير ديوان المحاسبة!

قانون الكشف عن العمولات الصعبة يجيز الرشوة للوسيط في ماذا يا كرام يا نواب جُمع الغضب والرحيل والوثيقة؟ يجيزها للوسيط في أكبر عقود توريد تبرمها الدولة والتي تزيد قيمتها على 100 ألف دينار كويتي، وبالتالي فإنه إذا ثبت أن هناك وسيطا لم يتم الكشف عنه وأخذ عمولة من تلك العقود التي قد تفوق ملايين الدنانير فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 3 سنوات!

ذلك حال المشرع الكويتي في إصدار القوانين، وحاله في إصدار العديد من القوانين المعيبة من حيث الشكل والمضمون، فكيف الحال إذا ما سايرنا البعض وسمحنا لهذا المشرع بتعديل نصوص الدستور؟ وهي برأيي كارثة ستحل بالبلاد بأن يعطى أمر تعديل الدستور إلى نواب لم يتسنَ لهم إصدار تشريع واحد إلا وكان مليئا بالعيب من حيث الصياغة أو قاصرا وغير واضح أو غامضا، ومن لم يعجبه كلامي فليرَ قوانين اليوم وليرَ كآبة النصوص بدءا بنصوص قانون المطبوعات والنشر ومرورا بقانون المرئي والمسموع وكذلك قانون فرض الضريبة على الشركات بنسبة 1 في المئة ثم قانون هيئة سوق المال الصادر قبل عام ولم يدخل بكامل قواه حيز التنفيذ حتى الآن!

أتمنى ألا تتسع مطالبات البعض في تعديل نصوص الدستور إلا بعد أن يتطور عمل المؤسسة التشريعية وأن يتطور فكر المشرع الكويتي ولجانه، فلا يعقل أن ينسب أمر تعديل الدستور الى مشرع لم يتمكن من وضع صياغة سليمة لقانون زيادة المواطنين لمن تقل رواتبهم عن ألف دينار والذي تم إصداره عام 2008 وبسبب تلك الصياغة السيئة والقاصرة دخل رأي مشرع الحكومة ممثلا بمجلس الخدمة المدنية حيز التنفيذ وعالج قصور النص المبهم بمعالجة خاطئة والسبب مجلس لا يأتي إلا بتشريعات قاصرة!

لن أثق بمجلس لا يجيد فن إصدار التشريعات ولا يدرك التعامل مع نصوص الدستور في ممارسة العمل التشريعي فكيف أضع بين يديه أجمل وثيقة كتبتها الكويت حتى يعبث فيها بتعديلات قد تخنق الدستور وتجعل منه دستورا شخصيا للبعض لا يستوعب كل الكويت، أو تجعل منه سلاحا في وجه كل الحريات والحقوق التي يكفلها!

أتمنى على مشرعنا أن يعي حجم الخسائر التشريعية التي بين يديه وأن يواجه جملة النصوص والقوانين الكارثية والتي من بينها قانون الكشف عن العمولات الصعبة أولا قبل التفكير في البدء بأية خطوات لتعديل أي نص من نصوص الدستور لأنه لو أقدم عليها بفكره الحالي والأقل من متواضع فقد ارتكب برأيي جريمة بحق الوطن لا يمكن تداركها!