إذن، هذا ما اختاره الناخبون الكويتيون لمجلسهم القادم، تناقضات حادة وتركيبة سريعة الاشتعال تعكس عقدهم الفئوية والقبلية والعنصرية، الله الله... يا سلام على المواجهات الجميلة التي نحن بانتظارها في قادم الأيام، أسامة المناور في مواجهة عبدالحميد دشتي، ونبيل الفضل في مواجهة مسلم البراك، ومحمد الجويهل مع عبيد الوسمي، ومحمد هايف مع حسين القلاف، حقيقة يعجز اللسان عن الشكر لناخبينا الكرام الذين فكروا في مستقبل وطنهم وأجيالهم القادمة... قبل كل شيء!
وحين كان القوم يتحدثون عن حراكهم الشبابي والوعي الذي يتنامى عند الناخب الكويتي، كنت أقول إما أنني أعمى بصر وبصيرة لا أرى ما يرونه وإما أنهم يحلمون لا مدركين لما يحدث حولهم، وقد كتبت مقالا قبل أسابيع بعنوان "تشاؤم"، فلامني البعض على النظرة السوداوية والتشاؤم الذي في غير محله، وطمأنوني بأن المستقبل المشرق قادم لأن من كان يقف في وجه التنمية، ويرعى الفساد قد رحل، وأن الأمور ستصبح جميلة بعد أن يصل نجوم المعارضة الجدد ليحلوا محل النواب "القبيضة"!وبالفعل، ذهب "القبيضة" أو ذهب معظمهم، لكن من أتى مكانهم أكثر ضررا وفسادا لحاضرنا ومستقبلنا منهم، وإذا كانت التشكيلة الجديدة تمثل أغلبية معارضة للحكومة، ففي واقع الأمر هي معارضة لمكتسباتنا المدنية والدستورية أكثر مما هي معارضة للحكومة وفسادها، وهي تعكس الرغبة المحمومة عند أغلبية الناخبين لإحياء النعرات القبلية والكراهية الطائفية، وتنفيس لعنصرية البعض الذين ظلوا يخفونها أمدا طويلا حتى ظهر من يعبر عنها ويظهرها للعيان، فيا مرحبا يا مرحبا، حللتم أهلا ونزلتم سهلا، وعلى رؤوسنا سوف تتوالى الضربات منكم صباحا ومساء، ولا لوم عليكم، فكل اللوم علينا نحن... "نستاهل أكثر"!وشعب لا يعرف قيمة الحرية ومعناها، ولا يفهم أن رجل الدين أبعد ما يكون عن السياسة، ولا يدرك أنه يعيش في دولة مدنية ذات دستور يحترم حقوق الجميع ومعتقداتهم، ويختار نوابه بناء على الفزعات القبلية وخضوعا لتوصيات من المراجع الدينية، ويقيم مواقف النائب بما قدمه لطائفته وفئته وقبيلته لا بما قدمه لوطنه، ماذا سيختار غير الذي اختاره قبل أيام؟!مشكلتنا، وكما قلت مرات عدة من قبل، هي ثقافية قبل أن تكون سياسية، الدولة لم تقم بدورها الثقافي كما ينبغي بقصد أو من دون قصد، لذلك مازال أغلبنا يلتحف بالقبيلة والطائفة خوفا وطمعا، ففي ظل دولة لا يأخذ المواطن فيها حقه بالعدل والمساواة، ومبدأ تكافؤ الفرص مستغلة حاجات الناس وحقوقهم كجسر للوصول إلى مكاسبها السياسية عبر إفشاء ثقافة "الواسطة"، ومن ثم دعم وتشجيع الخطاب السياسي العنصري والطائفي الذي يفتت المجتمع، ويبث فيه روح الكراهية والأحقاد، كان من الطبيعي أن نرى هذه التشكيلة البرلمانية التي تعبر عن حالة شعب يعيش التطاحن اليومي بين مكوناته، ويتلذذ في إضاعة الوقت في جدالات عقيمة لا معنى لها ولا فائدة ترتجى، يعود معظمها إلى أربعة عشر قرنا قابلا للزيادة!هذا المجلس سيكون أسوأ مجلس مر على تاريخ الكويت، ربما لأنه يمثل أسوأ مرحلة في تاريخها، فالسلطة في أوهن حالاتها، والأمن لم يعد له هيبة، والتجاذبات العرقية والمذهبية على أشدها، والأخطار الخارجية تترصد بنا من كل جانب، ولعل البعض كان محقا حين اعتبرها مرحلة انتقالية وطبيعية من أجل التحول الإيجابي فيما بعد، لكن الأضرار ستكون جسيمة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وربما نكون غير قادرين على معالجتها مستقبلا... ولأمد طويل!***أخيرا نقول لنائب الوطن حسن جوهر، ولصالح الملا، ولأسيل العوضي "هاردلاك"، فقد هزمتكم العنصرية والطائفية، وتفوق الصراخ والصوت العالي عليكم وعلينا وليس بيدنا ولا بيدكم شيء، فجمهور الناخبين... "عايز كده"!
مقالات
نستاهل أكثر
07-02-2012