مواطنو فييتنام الآن 86 مليون نسمة.

Ad

كان عدد سكانها في 1975 لا يتجاوز 48 مليوناً، أي إن عدد سكانها تضاعف تقريباً خلال 30 سنة، وبالتالي فإن نصف أهلها ولدوا بعد الحرب أي إنهم لا يعلمون شيئاً عنها إلا من خلال الدعاية التي تبثها الماكينة الإعلامية الحكومية، إلا أن فييتنام لم تعد الصورة الرومانسية لذلك البلد الذي قاوم الآلة العسكرية الأميركية بذكاء واحتراف وبسالة، كسب من خلالها احترام العالم.

لم تعد كذلك، ولم يعد أهلها في ذلك الإطار والصورة التي صنعها العالم لهم، شعب ودود يعمل بجد ولكنه ما زال فقيرا.

على ضفاف نهر الميكونغ، وفي جزيرة السلحفاة، قدمت فرقة فييتنامية لنا كأجانب بعض الأغاني الشعبية، الفقرة كلها لم تتجاوز 10 دقائق إلا أنني لاحظت أن آخرها حفل بشيء من الحماسة والجماعية، فسألت المرافق عن معنى تلك الأغنية، فأجابني بأن الأغنية تردد «هوشي منه للأبد»، فقلت له: لا يوجد أحد للأبد، لدينا من هذا النوع في بلادنا الكثير، ولكن أسهمهم هذه الايام في انخفاض، وكأنهم مرتبطون بالأزمة الاقتصادية في العالم، ضحك مرافقي الفييتنامي وقال: هذا صحيح، أين ذهب الفراعنة؟

أستطيع تأكيد أنه لم يكن يقصد ما جرى في مصر ولكنها كانت في الصميم، وهوشي منه هذا هو الأب الروحي لحرب تحرير وتوحيد فييتنام التي قسمها الاستعمار إلى شطرين شمالي وعاصمته هانوي وجنوبي وعاصمته سايغون.

وقد توفي هوشي منه قبل انتصار الثورة في 1969، لكنه ظل رمزاً لثوار العالم، وبعد الانتصار تم تغيير اسم سايغون إلى هوشي منه، إلا أن مرافقي قال ساخراً تعليقاً على الأغنية التي تقول «هوشي منه للأبد»: ليس للأبد، وليس للجميع، فنحن ما زلنا نصر على تسمية مدينتنا سايغون، وهوشي منه هو الاسم الرسمي فقط.

تغيرت فييتنام، فبعد انتصارها في 1975 وطردها للأميركان ها هي ترحب بهم كمستثمرين.

تذكرت أنه في سورية أطلق حزب البعث شعار الأسد رئيسنا للأبد، وهو شعار منسجم مع قوافي الكلمات، ولكن يبدو أن ذلك السجع لفظي فلا رئيس للأبد، ينطبق حتى على الزعماء الروحيين الذين أفنوا حياتهم وماتوا وهم يقاومون المستعمر، ويبقى التغيير هو الثابت الوحيد في هذه الحياة، وتتكرر الحكاية من على ضفاف نهر الميكونغ في جنوب فييتنام أو في ساحة الأمويين بدمشق.