1
ماريا! لن تصل هذه الرسالة إليكِ، لقد مات ساعي البريد في الطريق، يدهُ الذهب تحملُ مغلف أغنية الفجر الأزرق. الحياة لا تكفي لطريقين ولا نهارٍ واحد تحت الشجرة. هناك المنزل وأمواتهُ الكثيرون، هناك الحجرات التي يلمع في داخلها، كتاب وخبزٌ وأسنانُ الذئب البيضاء.حياتي أعيدها إليكِ في رسائل كثيرة لكن، البريد أم مجهولة يا ماريا.الطريق ملتوية بين غاباتٍ وأنهار، في يدي الرسالة، الكنز الذي لن يصل، كأن الكلمة زهرة برية تبخّرت في ظلمة الليل دون أن يراها أحد، أخطو في الطريق بقوة العاشق الذي يشبهني، أنسى الآلهة التي صنعت حافة للفجر، الربيعَ الذي غادر المنزل فوق جسر أبريل. تذكري!الحجارةُ ثقيلةٌ فوق الأكتاف، الرسالة قوقعة في يد جريحة، ما تبقى من ضوءٍ في العينين، من الأنفاس وأبخرة العالم ينطفئ. أنا حامل الرسالة يا ماريا، أموت.من بعيد في طريق جبلية، بين غابات وأمطار تغني الأجراسُ الذهبية أغنية الفجر الأزرق والسماء كأنما برفق ينهمر من قوسها العالي ثلج مشبع بالرغبات الأخيرة.2أنام تحت نافذة مفتوحة والكرسي يتنزه حولي بلا ضوء. من عمق المرآة يظهر طيفها من غير سبب. الممشى أطول مما أظن، كما لو كان نهراً يجري بلا نهاية. من عمق الزوايا أشم رائحة الغبار وأفكر بأن سحابة مضيئة تمر أمام عيني. فوق الجسد الميت مرت ظلال، مرّتِ الريح تحت منفذ الباب، من أين يأتي صوت الغريق؟ إلى أين تذهب الراهبة؟حجرة باردة مليئة بالمياه، بيتاٌ مصنوعٌ من ندمٍ وعزلاتٍ كثيرة. لو فتحت الباب، لو فتحت هذا الباب الآن لرأيت الضوء يرتعش في شعرها الأسود، هذا وحده كافٍ ليتذكرني بنغمة شفيفة تحملني إلى شتاء المسافرين القوقعةُ تفتح أمومتها أمام البحر، الغمازة تولد على مرأى الطبيعة.3كل شيء ينزل إلى أسفل الأمكنة، القلب بشوكةٍ حقيقية سيكون الدليل.حينذاك يمكنك أن تلعب مع القدر كما شئت ليعيد أمواجه إلى الخلف ثانية.نظرتك البريئة معبد للخلاص، والخطى الثابتة تخفي ثعلب الأيام. ستقودك الآن الإشارة إلى نهرٍ لن يستقبل قاربك ثانية، الماضي الذي أحببته حدوةٌ ثقيلة مربوطة بخصلة الشيطان.الماضي صرخة المحيط وأنت الآن هاربٌ من معركةٍ قديمة.يقال إن القدر له عين واحدة، عين الغزالة أو عين مطفأة لا ترى أحداً.4حياتك مملةٌ لأنك لم تقلّم أظافرها، تركت العشب ينمو بلا سبب، صباحك نسيهُ الآخرون، ألا تعرف طريق العودة؟ حسناً، قم بزيارة الموتى ضع في فمك الزهرة ثم قم بخطوةٍ ترفعك عالياً علك تسقط صدفةً في فم ينبوع.ستكون هناك عيون أخرى تنظر إليك، عيون صافية خالية من العشب الألم؟ اجعله خادماً! ستمر حياتك كأنك تجتاز نهراً بلا ضفاف ولا آلهة.كلا كأنك أنت ضفة نفسك أو نجمة تشتاق إلى الضوء.5أيها النائم تحت الشجرة، قل لي أين بيتي؟ أين بئرنا الأولى تحت تلك النخلة، أين الحكاية وضفافها ومستودع الآلام؟ قل لي أيها النائم تحت الشجرة أنا الغريب الآن، رجفة تأخذني إلى الماضي، كنسمةٍ تقود الأعمى إلى محرابه.أهذا سرُ أيامي، ريح الطفولة والأعشاب، قل لي أيها النائم تحت الشجرة، دُلني إلى الجوهرة الثمينة، تلك الخبزة الطرية في تنّور الصبا. أين الجنية والأسطورة في أسفل الوادي، أيها النائم تحت الشجرة خبّرني، أنا الغريب الآن عن الطوفان الذي أغرق البلدة في الليل حتى انطفأت مصابيح العالم.
توابل
أغنية الفجر الأزرق
09-11-2011