أيها الآخر سلام...

Ad

من قال لك إنني سأغيب لبرهة سارحاً مع نفسي، أمرّ في دروب قلبي، أفتش في أوراق شجرها، كي أعرف ما الذي تخبّئه نظرة عينيك المسروقة وضحكتك الملوّنة؟

من قال لك؟

أيها الآخر... وحده قلبي، يقرأ الكلمات المخطوطة بماء المحو. فوالدي، يرحمه الله، قال لي ذات مرة:

"لا تكذّب قلبك".

وأوصاني:

"سر خلف سرك، ولا تلتفت".

حينها علمني أبي سر السر، وأفهمني أن التلفت فضحٌ للسر، ومن يومها أسير واثقاً دون تلفتٍ.

أيها الآخر... أتعلم أن العرب، في اشتغالها بعلم الكيمياء، عرفت أن للقلوب صفيراً حاداً تطلقه بنغمات صاعدة وهابطة، ولها فضحها. وأيضا لها روائح بغضٍ وودٍّ نفاذة تبثها. وأن القلوب تظل دائرة بصدق صفيرها، تتبادل رسائل التقائها ونفورها، دون أن تلتفت لأصحابها... لذا، يعلو صفير قلبي وقلبك. يكشف لي صفير قلبك ما تجاهد لإخفائه وكتمه، ويصارحك صفير قلبي بما تعرف عني، ويؤكده لك.

هي الحياة أيها الآخر... أدرك أنا تماماً، مثلما تدرك أنت، أنها قاطعت طرقنا، وجعلت كلاً منا وصل بالآخر. لكني وأنا أسير على دربي اليومي، استمع مستمتعاً بصفير قلبي غناءً صافياً عذباً، بينما تسير أنت على دربك، وقد تشاغلت عن صراخ صفير قلبك المعذب، وشغلت نفسك بضجيج الجوقة من حولك.

أيها الآخر... أشهد لك بلمعان ابتسامتك وبريقها، لكن، وقد يضايقك ذلك، لابدّ لي من أن أصارحك بأنني أمجّها، فصفير قلبك أعلى منها. فأيهما أصدق: قشور ابتسامتك أم لب قلبك؟ إيماءة ابتسامتك، أم ركلة قلبك؟

أيها الآخر، أنا وأنت طرفا لعبة حياة. وكما في كل لعبة، فللعبة قواعدها. لا أطمع في ما بين يديك، ولا تستكثر عليَّ رسماً أحمله على جبهتي. تسير أنت تعباً متلفتاً على درب يومك المزدحم، فلا اعترض أنا، وكم يحيرني ضيقك واعتراضك بهدوء مشيي وثبات خطوي!

أيها الآخر... لك الأضواء والحاشية والجوقة والضجيج والتصفيق، ولي خفق حضوري الحميم في قلوب أحبتي. حيثما أكون، أفتح عينيَّ فأراك، ولا يضيرني. لكنك تغمض عينيك تتجرع علقم مروري من أمامك.

أيها الآخر... واسعة هي الطريق، وأوسع منها دروب الحياة القادمة فتعال لنسير!

أسير أنا خلف سري، بولع قلبي، ولهفتي على ما يخبّئه المنعطف.

ولك أنت أن تسير وفق بوصلتك.

أسير أنا عارياً إلا من رسم جبهتي واستماعي لصفير وغناء قلبي.

وتسير أنت مثقل بألف رداء ورداء.

أسير أنا معترفاً بضعفي البشري، تظللني آمالي وأحلامي المتجددة.

وتسير أنت غارقاً بغرور لحظتك الزائلة.

أسير أنا راقصاً التقط همس وغناء قلوب أحبتي.

ويشغل روحك سعيٌ محموم لبلوغ سرابٍ يغشى بصرك.

أسير متى ما عنَّ لي المسير، أجوب كل الدروب.

وعلى طريق بعينها تحتم عليك السير والمسير.

من يسير خلف السر، يبقى قلبه لهفاً خافقاً بانتظار الكشف.

ومن يسير وراء البوصلة، فهو عبدٌ لها، تحمله إلى موانيها القريبة والبعيدة، الهادئة والعاصفة.

أيها الآخر، كلانا يسير. وحين يأتي موسم الحصاد المؤجل، فستجلس وحيداً منهكاً، وسأجمع الصحب من حولي، كما في كل موسم حب، وسنحتفل رقصاً بصفير وغناء قلوبنا المحبة.

أيها الآخر... لك التحية، فأنا أعرفك تماماً، مثلما تعرفني أنت، حتى ولو أنكرتني.