من الصعب أن يكون المرء متفائلاً
لقد فقد النمو الحقيقي في أوروبا والولايات المتحدة كل الزخم الذي اكتسبه بعد الوصول إلى قاع الأزمة السابقة في يونيو 2009. وقد جاءت التقارير المبدئية للربع الأول من هذا العام مخيّبة للآمال، ولكن ثمة أسباب تبرر ذلك مثل الفيضانات في أستراليا، وتجدد أزمة الديون الأوروبية، والشتاء القاسي في الولايات المتحدة، والزلازل وأمواج التسونامي وحادثة المفاعل النووي الذي تعرّضت له اليابان. وبالرغم من ذلك كله، يصعب إيجاد مبرر منطقي للحالة السلبية التي اتسم بها النصف الأول بأكمله عند إمعان النظر فيه مجدداً.كنت أعتقد أننا نستطيع تفادي الركود ومنع الأسواق من الهبوط، لكنني أدركت وجود عدد من المشاكل البنيوية التي تمنع الاقتصاد من المضي قدماً. وبدأت أرى بعض المعوقات التي قد تسهم بعدم الوصول إلى معدلات النمو المطلوبة.
يتمثل العائق الأول في سوء أداء الحكومات على جانبي الأطلسي؛ ففي الولايات المتحدة الأميركية، ظهر هذه الأمر جلياً في السجال الذي شهده الكونغرس الأميركي خلال شهر أغسطس الماضي حول سقف الديون وعجز الميزانية، حيث كانت الهوة واسعة جداً ومخيبة للآمال بين آراء الديمقراطيين والجمهوريين، وهي بلا شك ستترك أثراً سلبياً على نظرة المستهلكين الذين يميلون في مثل هذه الظروف إلى الامتناع عن الإنفاق، وهو ما يترافق مع تباطؤ في الاستثمارات التي تنفذها الشركات.أما العائق الثاني، فهو يتجسد في أزمة الديون الأوروبية التي جاءت نتيجةً لأسباب كانت تتراكم منذ توقيع اتفاقية ماستريخت التي تأسس بموجبها الاتحاد الأوروبي. وتكمن المشكلة في أن دول القارة الأوروبية اجتمعت على عملة واتفاقية نقدية مشتركتين، ولكن دون وجود هيئة مالية مركزية تلزم الدول بالامتثال للقواعد الأساسية، وتعنى بفرض الضرائب وإصدار السندات والتعامل مع حالات العجز. وبالرغم من أن اليونان والبرتغال وأيرلندا قد سجلت مستويات عالية من المديونية منذ العام الماضي، إلا أن نقاط الضعف البنيوية للتحالف النقدي الأوروبي تجلّت بوضوح عندما أعلنت إيطاليا وإسبانيا هذا العام أنهما تواجهان صعوبات في إيفاء ديونهما.وبعد ذلك يأتي العائق الثالث الذي يشكل إلى حد ما مزيجاً من العائقين السابقين، وهو يثبت صحة ما قاله كارمن راينهارت وكين روجوف في كتابهما المذهل "هذه المرة الأمر مختلف" عن أن الدول التي تضع نفسها تحت التزامات مالية عملاقة بالمقارنة مع ناتجها الإجمالي المحلي ستكون محكومة بفترة طويلة من تباطؤ النمو بينما تسعى لإعادة رافعتها المالية إلى وضعها الطبيعي. ويضاف إلى ذلك حقيقة أن الاقتصاد الذي يعاني من تباطؤ دوري وأزمة مالية في آن معاً سوف يشهد فترة طويلة من النمو البطيء ومستوى عالياً من البطالة. ولا يعني ذلك بطبيعة الحال حتمية الانزلاق إلى حالة الركود أو دخول الأسواق حالة من الهبوط، إلا أنه يوضح أن كلتا الحالتين مرجحتا الحدوث. وقد شهدنا خلال شهري أغسطس وسبتمبر عدداً من أيام التداول التي فاقت فيها حالات الهبوط حالات الارتفاع بمعدل 9 مقابل 1. وبعد ذلك بدأت العاطفة السلبية بالارتفاع رغم أنها لم تبلغ حدها الأقصى بالنسبة لبعض المؤشرات.وفي الوقت الراهن، لا تعتبر الأمور سيئة إلى درجة كبيرة؛ فالإنتاج الصناعي مازال يشهد حالة من الارتفاع، ويتم توفير المزيد من فرص العمل -ولو بمعدلات مخيبة للآمال - ويشهد قطاع صناعة السيارات تحسنا، وارتفاع طلبات الحصول على السلع الرأسمالية بشكل كبير.وقد يعود السبب الى توقعات المستثمرين، حيث انهم يترقبون حدوث تتغير في الأخبار الإيجابية. كما يمكن أن يكون للأداء الضعيف لسوق الأسهم أثر سلبي على سلوك الإنفاق الاستهلاكي في الربع الأخير الذي يعتبر الأهم. وثمة ارتباط وثيق بين أداء مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" من جهة ومبيعات التجزئة التي تشهدها مواسم عيد الميلاد من جهة أخرى.وقد يكون صحيحاً أيضاً أن العوائق الثلاثة المذكورة أعلاه تفرض تأثيرها السلبي، لاسيما وأنها تجعل المستثمرين يعتقدون بأن الطريقة المثلى للتعامل مع الحالة هي اللجوء إلى سلوك متحفظ؛ ولكن في الوقت ذاته ثمة جوانب إيجابية تتمثل في صناديق التحوط التي تسعى إلى تقليص المخاطر، وطلبات التغطية التي يتلقاها مستثمرون كبار. ويشار إلى أن القلق الذي اكتنف البائعين والمخاوف التي راودت المشترين يعتبران أهم العوامل التي ساهمت في التدهور الحاد الذي شهده شهر سبتمبر.لقد حان الوقت لكي يشهد السوق حركة إيجابية؛ ولربما كان الارتفاع القوي في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر أكثر من مجرّد تغطية قصيرة. واذا استطاعت أوروبا التعامل بحكمة مع مشاكل ديونها السيادية من خلال إعادة الهيكلة وتوفير الدعم الانتقالي لبنوكها، سيعتبر ذلك بمثابة خطوة مهمة وايجابية، وأعتقد أنه من المرجح أننا سنرى ذلك يحدث. وثمة إمكانية ضعيفة - ولكن ليست مستبعدة تماماً - بأن نشهد مجموعة من الإجراءات في اللحظة الأخيرة للتعامل مع عجز الميزانية الأميركية بما فيها خفض الاستحقاقات، وتعديل بعض جوانب القانون الضريبي بحيث يصبح أكثر عقلانية، وزيادة بعض الإيرادات، إلى جانب إطلاق المبادرات التحفيزية. فإذا رأينا بعض هذه الأمور المذكورة آنفاً تبدأ بالظهور خلال الشهر المقبل، فقد نختتم العام الحالي بنتائج واعدة قد تجعلنا في وضع أفضل من الذي شهدناه في عام 2011.* بايرون واين ، نائب رئيس شركة بلاك ستون