في عام 1950 أخرج الكاتب الفرنسي جان جينيه فيلمه الوحيد، وحمل عنوان «انشودة الحب»، وقد تعرض الفيلم منذ ذلك الوقت إلى رقابة مشددة ولم يسمح بعرضه إلا في السنوات الأخيرة في بعض المراكز الثقافية في الغرب. وتشير الباحثة مارين جافرزيك التي قدمت اطروحة جامعية معمقة حول انشودة الحب وأعمال جان جينيه الأخرى، الى أن هذا الأخير اكتشف ولعه بالسينما في فترة الحرب العالمية الأولى عندما كان الممثلون الجوالون يعرضون بعض الافلام في الساحات العامة في فرنسا، وكان عمر جينيه في ذلك الوقت لا يتجاوز ثمانية أعوام، وبعد أن كبر ظلت صور وظلال السينما والدراما، تتكشف له بشغف وحب شديدين حتى في أعماله الأدبية، لذلك تذهب الباحثة إلى التنقيب في بعض نصوصه لتكتشف مثلاً أن عمله «معجزة الوردة» الذي نشر في الأعمال الكاملة والصادرة عن دار غاليمار الشهيرة يقول جينيه «كنتُ اخاف أن يتوقف احساسي في أن أكون فجأة شخصية من فيلم مأخوذ من دراما غير معروفة تتمتها المذهلة، طالما أنها تسير إلى أن ينقطع شريط الفيلم أو يحترق، فهذان الأمران يجعلانني اختفي في الظلمة أو في النار التي تموت قبل موتي». وعندما قدم جينيه «انشودة الحب» فكأنه كان يقدم أمثولة سمعبصرية تتضمن رؤيته الجمالية لسينما ذات طابع شعري، من المعروف وفقاً للنقاد والباحثين، أن لغة جان جينيه الأدبية كانت أبعد ما تكون عن لغة الشارع اليومية، فهو على الدوام كان يستخدم لغة صافية متينة ومشرقة مرتبطة بالقرن الثامن عشر. إن ولع جان جينيه بالدراما هو الذي حفزه على الدخول إلى العالم المسرحي والروائي، فكتب روائعه الشهيرة، الشرفة، الخادمتان، السواتر، اضافة إلى سيدتنا، سيدة الأزهار، مذكرات لص، رقابة مشددة، اسير عاشق، وأعماله الأدبية الأخرى. وبعد وفاة جان جينيه عام 1986 في فرنسا تم تجميع أرشيفه الوثائقي وتبين أنه كان يحتفظ بمسودات لسيناريوهات سينمائية غير مكتملة، وبالتالي فإن فيلم «انشودة الحب» هو المشروع الجريء الذي تحقق على أرض الواقع وفيه يصور جينيه السجناء المحاطين بالعزلة في زنزانات ضيقة وهم يعانون الحرمان الجنسي والعاطفي، مقدماً شخصيات تعيش على هامش المجتمع، وتنحدر من أوساط اجتماعية مطحونة ومريبة، وأغلب هذه الشخصيات من العمال المهاجرين، وفي آخر المطاف بلغت تكلفة الفيلم الاجمالية حوالي 30500 يورو. واستغرقت فترة تصوير المناظر شهرين، ويقال ان الكاتب الفرنسي جان كوكتو صاحب فيلم «دم الشاعر» وصديق جينيه ساعده في المشروع ووفر له حديقة بديعة للاقامة وتصوير المشاهد الخارجية للفيلم. ويشير إدموند وايت كاتب سيرة جينيه إلى أن جينيه «امتلك كتابة سينمائية أكثر من أي كاتب فرنسي آخر [...] كتبه مبنية وفق مناظر سينمائية وتقدم صوراً غير ثابتة، بل متحركة على الدوام، فهي تصور الشخصية بالحركة والاخلاق بالزي الخارجي، والحالة النفسية بالاضاءة والارتجاع والتقديم الفني والمشهديات المتقطعة والتكرار الصامت واحلال الصور السوداء والقطع الخاطف [...] أي أن جينيه طبق في الادب المفردات التقنية السينمائية برمتها وذلك بهدف تضليل القارئ».
توابل
جان جينيه سينمائياً
23-11-2011