تربطني بالشتاء علاقة حب، أحب هواءه البارد، رائحة الفحم، وذلك الشعور الذي يلازم البرد مع النار، أحبه بكل تفاصيله.

Ad

للحظة سرحت تذكرت إخواننا في الصومال وتذكرت مجاعتهم وتألمت حينما تذكرت أنهم يعانون جوعاً يشوبه الكثير من البرد، كلنا نحظى بوجبات دافئة لذيذة في الشتاء نتناول حساءنا ونستمتع بما يحتويه، أما هم وغيرهم من إخواننا المعدمين في كل بقعة من بقاع الأرض فيلعنون الشتاء... وأنا هنا أحتفي به!

يالَقسوة هذه الحياة! هناك من يتسوق ليشترى جاكيت الفراء أو الجلد الذي قد يكلف سعره وجبات تكفي لمدة سنة عائلة فقيرة في أحد البلدان!

حين أرى ذلك الترف الذي نعيشه، أخشى كثيراً من أن نتعود عليه حتى نكاد أن نفقد إنسانيتنا وإحساسنا بمعاناة الآخرين!

حين أرتشف كوب القهوة الصباحي وأتذمر لأنه بدون "وش" في حين أن هناك مَن يحلم فقط بشم حبات البن ليتذكر طعمها، أشعر بمدى النعم التي أسبغها الله عليّ.

تعلمنا هنا في الكويت الكثير من العادات المترفة، وباتت المظاهر حاجة وغاية حتى لمن لا يمتلك سوى أبسط الإمكانات، باتت هموم الكثير أن يلبس أغلى الملابس ويتزين بأغلى الساعات، حتى إن كان ذلك يتعارض ووضعه المالي المتواضع!

بتنا لا نعرف فقيراً من غنيٍّ، بسبب سعي الأغلبية إلى السفر واللبس والتزين بأغلى وأثمن الأشياء، الكل بات مهووساً بالمظاهر، حتى إن قصمت ظهره الديون... فذلك لا يهم، المهم أن يتناسب مع المجتمع.

أعرف صديقة لي بدون البطاقة الائتمانية "الفيزا" أعزها الله لا تعيش، فهي عبدة لهذه البطاقة رغم أنها تقود أفخم سيارة ويرتاد أبناؤها أغلى المدارس، إلا أنها بدون "الفيزا" لا تملك قوت يومها!

لا يهم أن يلتهم القرض نصف راتبي في سبيل أن أقود سيارة مرفهة غالية الثمن، لا يهم إن أثقلت كاهلي الديون لعشرات السنين، مادمت أسافر في العام ثلاث مرات، إلى أن يصل البعض إلى مرحلة لا تهمه الأساسيات في سبيل التباهي بالكماليات، هكذا أصبح مجتمعنا مريضاً بالمظاهر فقيراً في الحكمة!

نحن هنا نتباهى مَن ينفق أكثر، وهم هناك يتمنون أن تسترهم قطعة ملابس من قسوة الشتاء، أو أن يتناولوا وجبة تدفئهم من بردهم في العراء، مفارقة غريبة!

«قفلة»:

مازال الصومال يعاني المجاعة، ومازال يحتاج منا إلى المساعدة، لنتبرع لهم ولو بالقليل، فلربما أسعدهم كثيراً هذا القليل.