أطلق التيار التقدمي الكويتي الأسبوع المنصرم مبادرة لتشجيع القراءة، تمثلت في إقامة معرض لبيع الكتاب بسعر رمزي، وجزء كبير من الكتب المعروضة هو حصيلة تبرعات لأشخاص، أو مكتبات، بينما تم شراء الجزء الثاني، وبحسب القائمين على المعرض فإنه تم بيع ألفي كتاب، في الساعتين الأوليين، من المعرض.
حصيلة الكتب المبيعة تعتبر جيدة، وتضع علامة استفهام حول ما يُشاع من أن الجمهور في الكويت أو غيرها من الأقطار العربية عازف عن القراءة، بل إن السؤال يرتكز الآن حول التجمعات السياسية المحلية ودورها في التشجيع على القراءة وتنمية الثقافة. ويبدو جليا للعيان أن الكويتيين مغرمون بالسياسة من رأسهم حتى أخمص قدميهم، تلك ليست معلومة جديدة، فهي معروفة ومتداولة اجتماعيا، وحتى على مستوى كتّاب الرأي في الصحافة المحلية الذين هم جزء من عجلة إذكاء «الحماسة السياسية» بين الجماهير، بينما هم من حين إلى آخر يشكون من تسييس هذه الجماهير، وجعلها منشغلة بـ»الحكومة والمجلس» بصفة دائمة.على طريقة التيار التقدمي الكويتي اعتادت جمعية الإصلاح، وهي جمعية سياسية بامتياز، إقامة معرض للكتاب الإسلامي في كل سنة، يشهد هو الآخر إقبالا جيدا من القراء، وإن يكن موجها نحو أصناف محددة من المعارف الإسلامية والعربية، وكتب التاريخ، فهذه العلوم مرتبطة بعضها مع بعض إلى حد كبير.وبقي الآن أن تلتفت تيارات سياسية محلية أخرى نحو القراءة، وإقامة معارضها الخاصة، بل ودعوة جماهيرها، هذه المتأهبة دوما للاعتصامات السياسية، للوقوف دقيقة تشجيع للقراءة، وتوسيع «المشاركة الثقافية». إن ندوة واحدة يخصصها هؤلاء النواب للقراءة، أو لحضور رمزي لافتتاح أحد معارض الكتب التي تُنشأ من حين لآخر، من شأن وقفة كهذه أن تفتق الأذهان نحو أهمية القراءة، وربما يتفتق ذهن الآباء في خضم انشغالاتهم السياسية بتوجيه أبنائهم نحو القراءة، وتوفير مكتبة صغيرة لهم في أحد أركان المنزل.شهدت البلاد العربية مؤخرا مبادرات عديدة لتشجيع القراءة، منها على سبيل المثال «تاكسي المعرفة» الذي انطلق في مدينة القاهرة حاملا شعار «اقرأ على الطريق»، التجربة في ما يبدو اصطدمت بعوائق كثيرة بعد أن انطلقت بحماس شديد، فعدد سيارات الأجرة التي انضمت إلى المشروع لحظة انطلاقه 500 سيارة، وهو عدد قليل جدا بالنسبة إلى مدينة كبيرة كالقاهرة يقطنها ثمانية ملايين شخص، وحتى إن زاد عدد هذه السيارات، فإن النتيجة المترتبة على هذه الفكرة برأيي لا تعدو كونها تصفحا عابرا لرواية أو ديوان شعر، أو الاكتفاء بتأمل العنوان وصورة الغلاف، ومن ثم ينصرف الراكب نحو الشارع، لتأمل ضجيجه وزحمة ناسه المنهمكين في حياتهم اليومية.أطلقت كذلك إمارة عجمان منذ فترة مبادرة بعنوان «ثلاجة القراءة» بحيث يتم بيع الكتب في الثلاجات المخصصة عادة لشراء المشروبات والوجبات السريعة، لم نعلم شيئا عن مدى نجاح هذه الفكرة، ولكن الثابت أن مبادرة كهذه تحتاج إلى شعب قارئ منذ الأساس، ويبحث عن الكتاب، لذا فهو لن يتردد أن يشتريه إن وجده في ثلاجة للطعام أو أي قالب آخر.تستهدف جميع تلك المبادرات التي أشرنا إليها شريحة محددة بلغت سن الرشد، أو هي فوق ذاك، بمعنى أن رواد تلك المعارض هم على درجة من الوعي، وقد انهمكوا في غمار الحياة، تعلما ووظيفة فحياة أسرية، وهي الشريحة ذاتها التي يمكن استثمارها في سن الطفولة المبكرة بأن نحبب إليهم القراءة واقتناء الكتاب أو القصص المصورة، ومن ثم تنموا فيهم غريزة حب القراءة منذ تلك السن، ولن تواجهنا صعوبات في اجتلابهم نحو المبادرات والمعارض متى شئنا.
توابل
مبادرات... ولكن!
03-08-2011