المقصود هو الحالة العربية كلها، فهناك مخاوف حقيقية لدى قطاعات واسعة من المصريين وأيضاً التونسيين وبالطبع من الليبيين، وعلى المدى الأبعد قليلاً من السودانيين وربما من السوريين من ألا تستطيع الحركة الإسلامية أو بعض أطرافها تطوير نفسها تنظيمياً وعقائدياً وسياسياً، وتكتيكياً واستراتيجياً، بما يتلاءم مع معطيات واستحقاقات الدولة الحديثة، دولة الألفية الثالثة والقرن الحادي والعشرين، بل أن تتراجع تحت ضغط مستجدات حاسمة لتأخذ صيغة "طالبان" جديدة أو "القاعدة" أو "بوكو حرام" في نيجيريا.

Ad

هناك فرق هائل بين أدبيات وخطابات الوعظ والتعبئة السياسية في المساجد والساحات العامة والمظاهرات وبين مسؤولية الحكم، ففي الحالة الأولى يمكن الاكتفاء بـ"قُلْ كلمتك وامشِ"، أما في الحالة الثانية فإنه يصبح على من يتبوأ مواقع المسؤولية، مسؤولية دولة يتشكل مجتمعها من نسيج فسيفسائي متداخل وصعب.

في تجاربنا القريبة كان هناك إفراط في استخدام "الفتاوى" الدينية ضد المخالفين وضد المعارضين والتخلص جسدياً وسياسياً ونفسياً من الخصم السياسي، وهنا فإنه عليَّ أن أذكر أنني في سنوات العنف الإرهابي الذي ضرب الجزائر قد التقيت "أميراً"! من أمراء الحركات الإرهابية عمره لا يزيد على ستة عشر عاماً وسألته: بأي حقٍّ تقتلون الأطفال الصغار وتقطِّعون أعناقهم وأطرافهم بالبلطات والسكاكين وتبقرون صدورهم برصاص الرشاشات؟! فتنحنح هذا "الأمير" وحمد الله ثم قال، إن هذه هي التعاليم القرآنية وواصل بتلاوة الآية القرآنية القائلة: "وقال نوحٌ ربِّ لا تَذَر على الأرض من الكافرين ديّاراً* إنك إنْ تَذَرْهم يُضِلّوا عبادك ولا يلِدوا إلّا فاجراً كفّاراً".

إن هذا هو ما نخافه وما نخشاه... إنه لا أخطر من تسخير الدين لأغراض سياسية، وحقيقة ان هذا لا يقتصر على الدين الإسلامي ولا على الدين المسيحي ولا على الدين اليهودي، ولهذا فإنه لابد من التحلي بالجرأة وقول الحقيقة لـ"إخواننا" إن عليهم أن يسارعوا إلى مراجعة مسيرتهم مراجعة تُهيئهم لقيادة المستقبل، فنحن الآن نقف عند منعطفٍ تاريخي.